·
705_ ابن كمونة
....
نوى ظعناً يبغي منىً فالمحصبا // فأدنى إليه اليعملات وقربا
وفوض من بعد الأقامة راحلاً // يلف الربى بالبيد والبيد بالربى
ولما قضى نسكاً مناسك حجه // نحا يثرباً لا أبعد الله يثربا
بأم وقد زفت به العيس مرقداً // هو العرش بل أربى حضيضا ومنكبا
تجلى عليه الله جل جلاله // فوارى به نور التجلي وحجبا
وأودعه صوناً حقيقة سره // وصان به علم الغيوب فغيبا
فيا مدلج الوجناء والليل حالك // سلكت بها الأهدى إلى الرشد مذهبا
وأنى يضاهي مرقداً ضم علةً // بها كل معلول من الله سببا
حوى من إليه الله أدناه رفعةً // وقربه من قاب قوسين أقربا
وأوحى إليه ما أراد بخلقه // فبلغ ما أوحى إليه وأعربا
فهذا زعيم الرسل والرسل نبَّؤٌ // عن الله ما يملي عليها من النبا
صفا فاصطفاه ذو الجلال لنفسه // ونزهه من كل ريبٍ وهذبا
فعفّر بمثواه جبينك مدركاً // من المجد أنهى ما تمنيت مطلبا
وبث لديه ما جرى يوم كربلا // فبالحشر إن قايسته كان أصعبا
أمستنزل الأقدار هلا جلبتها // وفاجأت قوماً أغضبوا الله مغضبا
وهلا بعثت الرسل تترى كتائبا // لمن حاد عن نص الكتاب وكذّبا
وهلا بخيل الله طلّاب وتره // ملأت فجاج الأرض شرقاً ومغربا
لتدرك ثارات الحسين فقد قضى // ظماً وقضت أبناؤه الغر سغّبا
برغم العلى فوق العوالي رؤوسهم // تعلى وفي أجسامهم تعبث الصبا
وقد هتكت حجب الجلال وأبرزت // بناتك من حجب الجلالة للسِبا
أُبيح حماها ما استكانت ولم تجد // حميماً فيحميها ولم ترَ مهربا
وأعظم ما يشجي الغيور سفورها // وأعظم منه أن تسبّ وتسلبا
فيا لحريمٍ قد أبيحت وحرمة // أبى الله إلا أن تُصان وتحجبا
لعمرك ما الصبر الجميل بهتكها // جميل لدى أهل الحمية والإبا
ومن زينب عز البتول بولدها // وعز عليها أن تراهم وزينبا
وناد بنادٍ في البقيع لثارها // بني مضر والسادة الغلب تغلبا
وجعجع بها شعث النواصي ضوابحاً // فسلهبةً صبحاً تسابق سلهبا
تقل رجالاً من لوي سيوفها // لادراك ثار الله مشحوذة الشبا
كأن علياً في الحروب أعارها // ثباتا وغضباً بالقراع مجربا
وفاخر ملوك الأرض حول ضريحه // طوافاً وأملاك السماء تأدّبا
وقل يا عظيماً عظم الله شأنه // فعبر في فرقانه عنه بالنبا
ويا فتنة الله التي فتن الورى // بها وبها اذرا خبيثا وطيّبا
ويا لوحه المحفوظ والقلم الذى // به أثبت الله القضاء ورتّبا
وآيته الكبرى وفرقانه الذي // على حفظه حثّ الأنام ورغّبا
إليك أمير المؤمنين شكايةً // تغص شجامها وتنقضّ مغضبا
ويوشك أن تنبث حزناً لبثّها // المهاد وأحرى أن تسيخ وتقلبا
أبا حسن أضحى الحسين مجدلاً // تريب المُحيّا بالدماء مخضبا
صريعاً تحاماه الأسود مهابةً // وتعدو عليه الأعوجيات شزّبا
وأجج في أحشائك النار كلما // خبت زادها ما ذاب منك تلهّبا
وصعد أقذاءً لعينيك عن دم // فأوشك أن يجري مع الدمع صيّبا
فما زالت الدنيا وأنت مليكها // تنوبك إن أعرضت عنها تجنّبا
وكنت لحلم الله بالصبر مظهراً // وعن بطشه بالبطش لا زلت معربا
وسيفك لو حكمته في نفوسها // لأسكنها دار البوار وما صبا
أسأتُ إلى نفسي وأذنبتُ واثقاً // بصفكم عمن أساء وأذنبا
فأنتم أمام الخائفين ولم أكن // وإن ساء فعلي خائفاً مترقّبا
كفاني حسين شافعاً ومشفعاً // وخدمته حسبي فخاراً ومنصبا