[استعراض لما ننكره على القرضاوي، وبأسلوب قصصي ساخر، أرجو من الذين ينفعلون بسرعة ألا يقرؤوا هذا المنشور لأنه قد يسبب لهم أضرارا صحية]
في اليوم السادس عشر من زيارة صاحبي الوهابي دعيت إلى محاضرة يلقيها - كما ذكر لي صاحب الدعوة - رجل من كبار كبار العلماء، حتى أنه الوحيد الذي اختير له، أو اختار لنفسه لقب (رئيس اتحاد علماء المسلمين)، بل إن البعض لا يكتفي بهذا، بل يدعي أنه بابا الإسلام، أو أول بابا للإسلام.
ذهبت ممتلئا بهذه الألقاب إلى محل الدعوة، لأجد الشخص الذي يعرفه الجميع بلسانه الفصيح، وبيانه الآسر، وتردده بين أودية الشعر والنثر والبلاغة ما يبهر الأسماع ويجذب الأفئدة.
وكان حديثه في جميع محاضرته عن الإسلام.. وأنه الحل لكل المشاكل التي ينوء بها ظهر الأمة.. وعندما رأى في وجوه المستمعين قناعة بما يقول.. ومن يجرؤ على عدم الاقتناع بأن الإسلام هو الحل.. أخذ يسأل قائلا: لكن ما هو الإسلام الذي هو الحل؟
وهنا لاحظت على الحاضرين البسطاء علامات الدهشة، فالإسلام في تصورهم واحد يجمع الأمة جميعا، وهو الذي تكفل بتحديده القرآن الكريم، وتكفلت ببيانه السنة المطهرة، ثم تكلفت الأمة بجميع مدارسها ومؤسساتها لتشرحه، وتطبقه على أرض الواقع بحسب قراءتها له.
لكن الشيخ بابا الإسلام ورئيس العلماء لم يقبل هذا، بل راح يطرح المدارس الإسلامية مدرسة مدرسة متهما لها بأنه ليس لديها الحل.. فلا حل عند الصوفية، ولا حل عند الشيعة، ولا حل عند المتكلمين، ولا حل عند الفقهاء التقليديين، ولا حل عند فلاسفة المسلمين، ولا حل عند خاصة المسلمين، ولا عند عامتهم..
وهنا نهض أحد أساتذة قريتنا البسطاء، وكان اسمه الدكتور فؤاد زكريا، وقال: أنا أرى من خلال طرحك أن الإسلام ليس حلا.. بل إنه مشكلة المشاكل.. لأنه سيصطدم مع الكل.. ويستحيل على من يصطدم ويصارع أن يؤسس مجتمعا أو دولة، بل يستحيل عليه أن يؤسس نفسا مطمئنة تعترف بالآخر وتسلم له.
غضب البابا غضبا شديدا، وقال: لاشك أنك العلماني الذي حدثوني عنه.. وحذروني منه.. أنت الآبق الذي رضع من الغرب سمومه.. أنت..
نسي الرجل ما كان فيه من الحديث ليتخذ من شخص محاوره هدفا يرمي إليه سهامه، التي لم تصبه وحده فقط، بل أصابتنا جميعا، فقد كان الرجل ضيفا عندنا، وكان من كرم ضيافتنا له أن لا يمس بسوء.. لكنا مع ذلك كتمنا أنفاسنا، ورحنا نحاول أن نغير مجرى الحديث، فسأله بعضنا قائلا: لقد افتى سماحتكم بأن صدام حسين ذلك الطاغية الآثم الذي أباد البلاد والعباد، وامتد شره لجيرانه يقاتلهم ويدمر بلادهم.. بأنه شهيد، وقد خطبت خطبة طويلة في مدحه والثناء عليه.
غضب الشيخ للسؤال بنفس غضبه الأول، وقال: وكيف لا يكون شهيدا، وهو الذي رفض تلك الحرب الصليبية التي شنت على بلاده.. وكان جزاؤه أن قتل مظلوما من طرف أولئك المجوس..
قال السائل: ولكن.. أين ظلمه وقتله وما فعله بإيران والكويت؟
قال الشيخ: أما ما فعله بالكويت.. فنعم، وقد أفتيت بضرورة مواجهته وحربه ليكف شره عن إخواننا من أهل السنة الكويتيين.. أما إيران، فقد كنت أراه في مواجهته لها قائما على ثغر الأمة ليحميها من ذلك التوسع الصفوي المجوسي الظالم المشوه للإسلام وعدالة الإسلام وروح الإسلام.. و... الإسلام، و... الإسلام.
قال السائل: ولكن.. لم لم تعتبر ما شن عليه من حرب بسبب الكويت حربا صليبية؟
قال الشيخ: لأني أفتيت فتوى صريحة بجواز الاستعانة بالأمريكان لصد العدوان.. وأفتيت مثلها لإخواننا في ليبيا لمواجهة طاغوتهم القذافي، وأنا أفتي مثلها لإخواننا في سورية لمواجهة العلويين، ولدي الكثير من الفتاوى الجاهزة لمن شاء من إخواننا في الجزائر، والمغرب والسودان.. وكل البلاد.. كل من يريد فتوى فسأفتيه لأن الإسلام – الذي هو الحل لكل مشاكل البشرية - لا يقبل الطغيان، ولذلك لنا أن نستعين بالأمريكان والألمان وكل الشجعان للتخلص من الطغيان أين كان وكيف كان.
قال السائل: لقد ذكر رئيس ليبيا قبل وفاته أن بلاده تتعرض لحرب صليبية.
قال الشيخ: خسئ الرجل وذل وضل.. كيف تكون حربا صليبية من إخوان لنا في الإنسانية قدموا إلى بلادهم مستسهلين كل صعب ليمكنوا للدين، وليحققوا لنا ما لم نستطع تحقيقه بالدعوة والتبليغ والإرشاد..
قال السائل: فأنت تعتبر أمريكا ومن حالفها أصدقاء.
قال الشيخ: أجل.. فلولاهم لم تتحقق أحلامنا وشعاراتنا ومبادئنا التي سجنا واعتقلنا وعذبنا وأهنا بسببها.. أجل.. هذه هي الحقيقة التي ينبغي أن يعلمها المسلمون.. وعلى ضوئها حذرت المسلمين من أن يتعرضوا لأمريكا بسبب الفلم المسيء، فأمريكا بريئة، والجريمة مقتصرة على صاحب الفلم ومخرجه فقط.
قال السائل: ولكنك أفتيت قبل ذلك بمقاطعة الدانمارك جميعا بسبب الرسوم، والرسوم أقل خطرا من الفلم.
قال الشيخ: أنت لا تفهم عالم الفتوى.. إنه عالم صعب فيه حسابات كثيرة، لا توجد في كتب الفقه فقط.. فالمفتي يحتاج أن يكون سياسيا براغماتيا داهية وإلا فلن يتحقق الإسلام الحل.
قال السائل: فما الفرق بين الإسلام وغيره من النظم إذن ما دام ينتهج هذا المنهج؟
غضب الشيخ، وقال: الإسلام.. تسألني عن الإسلام.. الإسلام هو الحل لكل مشكلة.. إنه ذلك الدين الذي استطاع أن يحقق أعظم حضارة في التاريخ.. ألا تعرف الحضارة الأموية العادلة التي نعمت البشرية بظلالها وفاءت إلى فيئها؟
قال السائل: أنا أعرف أن في الأمويين جورا عظيما، فهم الذين حاربوا بيت النبوة وحاربوا المسلمين وفعلوا وفعلوا.
غضب الشيخ، وقال: إن لم يمثل الأمويون الإسلام.. فمن يمثله؟.. الأمويون هم الصفحة الناصعة البيضاء في تاريخ الإسلام.. في عهدهم لم يكن هناك نفوذ إلا للإسلام.. لم يكن هناك اقتصاد إلا للإسلام.. لم تكن هناك عدالة إلا للإسلام، لم يكن هناك.. إلا للإسلام، لم يكن هناك.. إلا للإسلام، لم يكن هناك.. إلا للإسلام.
وظل يكررها إلى أن أتى المساء، فعدت إلى بيتي متعبا مرهقا ممتلئا بالشبهات إلى درجة أن صحت من حيث لا أشعر: هل يمكن أن يكون الإسلام هو الحل؟
فجأة وجدت بجانبي صاحبي الوهابي، وهو يربت على كاتفي، ويقول: نعم الإسلام هو الحل.. ولكن ليس إسلامهم الذي وضعه لهم معاوية، وأحفاد معاوية.. ولا الإسلام الذي نظر له ابن تيمية أو ابن عبد الوهاب.. بل إنه الإسلام الذي أنزله رب العالمين على القلوب الطاهرة والأوعية النقية والصدور المنشرحة.. إنه إسلام السلم لا العنف.. وإسلام المحبة لا البغض، وإسلام العلم لا الجهل، هذا هو الإسلام الوحيد الذي جعله الله حلا لهموم النفس والمجتمع.
قلت: ليتك حضرت معي لتسمع ما قيل في المحاضرة التي ألقاها كما قيل لي أكبر رأس في العالم.
ضحك، وقال: بل ألقاها أكبر مغرور في العالم.. أنا أعرف ذلك الرجل جيدا.. أعرفه منذ كان يصيح في كل محفل: لماذا لا يكون للمسلمين بابا كما للمسيحيين بابا!؟.. ويقول: إن هذا البابا يستطيع أن يفتي الفتاوى ويصدر البيانات التي تقف مع قضايا المسلمين وتناصرهم وتوحد صفوفهم وتحقن دماءهم.. ويقول كلاما كثيرا غير هذا بثته وسائل الإعلام المختلفة..
وظلت كلماته تتردد في الأثير أحلاما وأماني إلى أن طرقت سمع بعض الأمراء أو بعض الساسة أو بعض رجال الأعمال أو بعض صناع الفتن، فراح يتأمل في الفكرة، ويبحث عن المؤهل ليكون بابا المسلمين الأول في التاريخ، فلم يجد إلا صاحب الأمنية نفسه.
قلت: ولم اختاره دون غيره.. ففي المسلمين علماء كثيرون لا يقلون عنه، بل إنهم يفوقونه في الكثير من المعارف.. في العلوم النقلية والعقلية وغيرها؟
قال: ولكنه يفوقهم بصوته.. فهو – كما تعلم - رجل جهوري الصوت يستطيع أن يسمع بصوته العالم أجمع.. وهو – فوق ذلك - رجل متسرع ما إن تخطر على باله الفكرة حتى يذهب إلى صوته الجهوري ليسمعها للعالم من غير تريث ولا بحث ولا نظر، ربما يخاف أن تعاجله المنية قبل أن يبثها، وربما يخاف أن يسبقه إليها غيره، فتفوت عليه فرصه السبق الصحفي.. وهو رجل شديد حديد اكتسب من سلفه ابن تيمية هذه الشدة والحدة فهو يوجهها إلى خصومه كما كان الحجاج يفعل إلا أن سيف الحجاج من حديد، وسيف هذا الرجل من الكلمات، وقد تفعل الكلمات ما لا تفعله الصوارم والأسنة.. وهو فوق ذلك رجل مجنون بعظمة بدأت معه منذ صغره الباكر عندما أهله قومه لأن يخطب فيهم ولما ينبت عذاره.. وقد بقي معه هذا الشعور بكونه الأفضل والأعلم وصاحب الحق المطلق الذي لا ينبغي أن يجادل.
قلت: ولكن مع ذلك فقد رضيه المسلمون واتفقوا عليه وما كانت الأمة لتتفق على ضلالة؟
ضحك، وقال: هذا هو الوهم الذي دعاه إلى اعتبار نفسه رئيس العلماء.. وهو الذي جره إلى ما جره إليه من تزعم الفتنة في العالم..
قلت: الفتنة؟
قال: أجل.. لقد كان من أول ما فعله بعد حمله لهذا اللقب العظيم هو أنه ذهب إلى طائفة من الناس يقال لها (الشيعة)، وهي طائفة مسالمة ممتلئة ألما وحزنا على ما أصاب ذرية رسول الله، وهي طائفة كذلك نشيطة قوية تريد أن تمهد لمخلص موعود يملأ الأرض عدلا بعد أن تمتلئ جورا.. وكانت هذه الطائفة تعيش في سلام مع كل مذاهب الناس وطوائفهم وأديانهم.. وكانت تنتشر كما ينتشر غيرها بالإقناع والحجة والدليل.. لكن هذا البابا الجديد لم يرضه هذا الانتشار ولا ذلك النشاط ولا تلك الوحدة التي تمتلئ بها قلوب المسلمين فراح ينشر بيانات التحريض والتبديع والتضليل لتنشأ عنها فرقة وفتنة وتصدع يمس بنيان الأمة جميعا.
لم يكتف هذا الرأس بهذا.. بل راح يمارس السياسة من أوسع أبوابها أو من أرذلها.
قلت: لم أعلم أنه ترشح لأي انتخابات، ولا أنه تزعم أي حزب؟
قال: هو لا يرضى بالنزر اليسير.. فلا يكفيه أن يرشح في مدينة أو يحكم حزبا.. وكيف يرضى بذلك وهو يطمح إلى أن يصير رئيس المسلمين كما هو رئيس علمائهم.
قلت: لم أعلم بهذا الطموح.. لكن ما هي الطاقة التي يستطيع من خلالها أن يصل إلى هذه المرتبة، وهو شيخ كبير لا سلاح له ولا طاقة.
قال: ألا تعلم أن له لسانا وقلما وكتابا وأبواقا وإمعات كثيرين يسبحون لكل ما يقول؟
قلت: وما علاقة هذا بحكم المسلمين؟
قال: هناك شيء لا تعرفه يسمونه الفوضى الخلاقة.. وهؤلاء وأذنابهم يسعون بكل الوسائل إلى نشر الفوضى التي يستطيعون من خلالها أن يبرهنوا أن الإسلام هو الحل.. ذلك أنه ليس لديهم أي مشروع يقدمونه للناس سوى الشعارات، ولذلك لا يمكن أن يستمر بهم الحال من غير الفوضى والفتنة وإلا فضحوا.
سكت قليلا، ثم قال: سأضرب لك مثالا على ذلك.. ألا تعرف ما حصل في ليبيا؟
قلت: بلى.. فقد حصل فيها ما حاصل في سائر الوطن العربي من مطالبات بالإصلاح والتغيير..
قال: وقد بدأت الأحداث - كما تعلم - سلمية في منطقة من المناطق، ثم تحولت إلى عسكرية يواجه فيها المسلم أخاه، ويدمر بلده.
قلت: أجل.. وقد كان من الأخطاء الكبرى تحولها إلى العنف، فالعنف لا يولد إلا العنف.
قال: لقد كان في إمكان البابا رئيس العلماء حينها أن يسرع إلى محل الفتنة وهي تشتعل ليطفئها بكلمات من الحكمة، فيطالب الرئيس بالإصلاحات ويطالب الرعية بالسلام والحوار..
قلت: أجل.. كان في إمكانه أن يفعل ذلك خاصة وأنه يمتلك أكبر مؤسسة علمية إسلامية.
قال: لكنه لم يفعل فقد كان بطبعه ثائرا متسرعا مغرورا.. ولهذا لم يكلف نفسه إلا أن ينضم إلى معسكر الثوار، ثم يفتي على الملأ بهدر دم الزعيم.. وكان يعلم بأن هذه الفتوى لن تزيد نار الزعيم إلا اشتعالا.. فما الذي تنتظر من شخص تهدر دمه!؟
لم يكتف بهذا.. بل راح يفتي بجواز الاستعانة بالذين كان يصفهم بالأمس القريب أعداء وغرباء.. راح يستجديهم.. وينفي عنهم صفة الصليبية التي ظل طول عمره يصرخ بها..
ورأى بأم عينيه كيف كانت الدماء تسيل.. وكييف كانت الخيرات تنهب.. وكيف كان الشعب يقتل بعضه بعضا.. وكيف كانت الطائرات ترمي بالقنابل بمختلف أنواعها.. ولم يحرك كل ذلك فيه ساكنا، فقد كان له من الحدة والشدة ما يحميه من آثار الانفعالات العاطفية.
قلت: كل ما تذكره من هذا الصحيح.. ولكن مع ذلك فقد حصل النصر أخيرا.
غضب، وقال: أي نصر ينشأ من الفتنة والأحقاد والصراع.. لقد خرب ليبيا خربه الله.. ولن ينجو أهلها من الفتنة إلا بعد أن يصرخوا بسقوطه كما صرخوا بسقوط زعيمهم.
قلت: المهم أن قضية ليبيا انتهت.. وهدأ الرجل.
غضب، وقال: وهل يهدأ الشيطان؟.. إن هذا الرجل لن يهدأ إلا في قبره إن قدر له أن يهدأ فيه.. ألا ترى ما يفعله في سوريا من قتل وتدمير؟
قلت: وما علاقته بسوريا هي الأخرى؟
قال: بعد أن حصل له في ليبيا ما توهمه من نصر.. وبعد أن رأى بأم عينيه كيف تحولت بادية ليبية الطيبة إلى خراب ودمار راح يبحث عن دور البطل في فيلم أكشن آخر، فاختار أرضا ممتلئة بالبركات هي سوريا.
هو يعلم أن في سوريا كما في سائر بلاد الشام علماء فحولا لا يقلون عنه باعا في العلم والاجتهاد.. ويعلم أنهم أدرى ببلدهم وبمصالحهم.. ويعلم أن في سوريا نهضة اقتصادية وعلمية راقية.. ويعلم مواقف سورية العدائية لكل أعداء الأمة، بل وقوفها الممانع في وجه كل محاولات التطبيع.. لكن هذا العلم ــ نتيجة تسرعه وحدته ــ لم ينفعه.. فراح ينعق في خطبه وبياناته محرضا على الفتنة.. معتبرا أولئك العلماء الكبار الذين تفخر بهم سورية أبواقا للسلاطين، ناسيا أنه صار بوقا لأمريكا ولإسرائيل ولكل أعداء الأمة.
كان في إمكانه وهو صاحب ذلك المحل الرفيع أن يذهب صحبة جسده المسمى اتحاد علماء المسلمين إلى سورية كما ذهب قبلها إلى أفغانستان من أجل تماثيل بوذا.. وكان يمكن بسهولة أن يلتقي بالرئيس السوري.. ويسمع منه خطة الإصلاح.. ثم يصدر بعدها بيانات الدعوة إلى الحوار وإلى السلام وإلى الحكمة.. وتنتهي بعدها بسهولة الأزمة السورية.
لم يكن يحتاج إلى عناء السفر، فقد كان يكفيه أن يسمع من القنوات السورية وهي تبث خطب الرئيس الداعية للحوار.. لكن رأس هذا البابا الممتلئ كبرا قال بحدته وشدته المعهودة (لا حوار) متخليا عن كل تلك المبادئ التي كان يصرخ بها كل حين من أن الإسلام دين الحوار، وأن الله بعظمته وجلاله حاور إبليس..
لم يكتف بهذا.. بل راح يسعى لفيلم حربي جديد تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.. عمل على هذا أشهرا طوالا.. لكن هذا الحلم اصطدم بالفيتو الروسي والصيني.. فراح يفتي بمقاطعة البضائع الروسية والصينية وهو يعلم أن الناس إن لم يشتروا بضائع هاتين الدولتين فسيشترون بضائع أمريكا أو أوروبا أو إسرائيل.. وهم في كل مراحلهم أعداء الأمة الأوائل.
لم يكفه هذا.. فراح يصدر فتاوى وبيانات بوجوب الجهاد في سورية، وبإعانة الجماعات الإرهابية المسلحة لا بالمال وحده، بل بالسلاح أيضا.. وهو يعلم أن نتيجة هذا خطيرة جدا قد تمتد لأجيال طويلة.. ولكنه لا يبالي لأن عقله وتفكيره أضيق من أن يفكر في عواقب ما يصدره من الفتاوى والبيانات..
لسنا ندري ماذا سيفعل بعد هذا.. لكنا نعلم أن عمر هذا الرجل إن امتد فسيمد عنقه إلى بلاد جديدة ليجعل من بلاد العرب والمسلمين أنهارا من الأحقاد والضغائن والدماء.
كان صاحبي يتحدث والغضب قد ملأه إلى أن خشيت عليه، فقلت مازحا: وأخيرا أراك غاضبا على غير الوهابيين.. لعلك أدركت أن الشر ليس قاصرا عليهم.
نظر إلي، وقال: ومن قال لك أن هذا الدجال ليس وهابيا؟
قلت: لا أراه يطيل لحيته، أو يقصر قميصه.. بل أراه عصرانيا إلى أقصى الحدود.
قال: إن الرجل وجه من وجوه الوهابية الكثيرة.. وهو وجه مطلي ببعض المساحيق التي تخفي الدمامة والكبرياء والغرور والفتنة.
قلت: ولكني أرى الوهابيين ينكرونه؟
قال: هم ينكرون مساحيقه.. أما حقيقته فليست غيرهم.. ألا تراه يرجع كل حين إلى ابن تيمية يستلهم منه؟
قلت: بلى.
قال: ما أفلح من رجع إلى ابن تيمية..
قال ذلك، ثم أشاح عني بوجهه، فلم أجد إلا أن أنصرف وأتركه..
عندما دخلت غرفتي شغلت التلفاز، فرأيت صورا لدمار كثير في سورية، وسمعت الصحفي المعلق يقول بغضب: هذه آثار فتاواك يا قرضاوي.. وهذا هو الحل الذي جاء به الإسلام يا إخوان.. فهلا كففتم شركم عنا.
٠ تعليق