زواج زينب (عليها السلام)
ومضت الأيام ، وشبّت زينب الكُبرى في بيت المجد والشرف والنبوّة ، وكان طبيعياً أن يتطلّع ذوو المـكانة والمقام الاجتماعي إلى طلب يدها والتشرّف بخطبتها .. وتقدّم كثيرون ، ولكنّ الامام عليّاً (ع) رفض أن يزوِّج زينب (ع) لأحد من هؤلاء ، فهو يعلم ما ينتظر زينب (ع) من دور تأريخي خطير في بيت آل محمد (ع) ، ويعرف مقام زينب ، ومَن المؤهّل للاقتران بها .. وهو (ع) كان قد تلقّى الإشارة من رسول الله (ص) حين سمع قوله ، وهو ينظر إلى أولاد عليّ وأولاد جعفر : «بناتنا لبنينا ، وبنونا لبناتنا» .
لذا كان المؤهّل للاقتران بها هو عبدالله بن جعفر بن أبي طالب بن عبدالمطّلب بن هاشم ، فأبوه جعفر الطيّار ، واُمّه المهاجرة الفاضلة أسماء بنت عُميس ، رفيقة فاطمة (ع) اُمّ زينب ، والملازِمة لها حتى وفاتها . قال اليعقوبي : (وكانت أسماء تخدمها وتقوم عليها ) (7) .
وُلِدَ عبدالله بن جعفر في الحبشة ، عندما كان أبوه جعفر ، واُمّه أسماء بنت عُميس ، مهاجرين يقيمان في الحبشة ، يوم اشتدّت المحنة على المسلمين الأوائل في مكّة ، ولم يعودا منها إلاّ في السنة السابعة من الهجرة يوم فتح خيبر .. وحين استشهد جعفر في معركة مؤتة ، في السنة الثامنة من الهجرة ، وجاء نبأ الاستشهاد احتضن رسول الله (ص) ، عبدالله بن جعفر وإخوته ، وتعهّدهم بالتربية ، فكان كثير العناية بعبدالله وإخوته ..
وجدير ذكره أنّ الامام عليّاً كان قد تزوّج أسماء بنت عُميس بعد وفاة أبي بكر .. فكانت اُمّ عبدالله بن جعفر في بيت عليّ (ع) حين تزوّج زينب (ع) .
وحين كثر اختلاف الخاطبين لزينب ، استدعى عليّ عبدالله ابن أخيه جعفر بن أبي طالب (ع) ، فزوّجه ابنته السيدة زينب بنت فاطمة الزهراء (ع) بمهر السنّة ، قدر مهر اُمّها (ع) ، وهو مائة وأربعة وثمانون درهماً .. ويذكر المؤرِّخون أنّ الامام عليّاً كان قد أعطى المهر من ماله الشخصي .. فكان مهر زينب (ع) من خالص مال أبيها عليّ (ع) . لقد تمّ العقد ، وتزوّج عبدالله زينب (ع) .
كان عبدالله سـيِّداً من سادات بني هاشـم ، وجـواداً كريماً لا يُبارى ، وشخصية مرموقة من شخصيات المجتمع السياسية والاجتماعية .. فكان قد صحب رسـول الله (ص) وروى عنه ، وكان إلى جنب عمِّه عليّ وولديه الحسن والحسين ..
يذكر له المؤرِّخون مواقف في حروب الجمل وصفِّين والنهروان .. وكان مع عمّه عليّ (ع) هو وزوجته زينب في الكوفة ، حين استقرّ عليّ (ع) فيها أبان فترة خلافته ..
يقول الشيخ المفيد : أنّ جابر بن عبدالله الجعفي سأل أبا جعفر محمد بن عليّ الباقر (ع) ، أين دُفِنَ أمير المؤمنين (ع) ؟ قال : دُفِنَ بناحية الغريين ، ودُفِنَ قبل طلوع الفجر ، ودخل قبره الحسن والحسين (ع) ، ومحمد بن عليّ وعبدالله بن جعفر .. وتلك الرواية تؤكِّد أنّ عبدالله بن جعفر كان بصحبة زينب مع عليّ (ع) في مقرِّ خلافته في الكوفة .