قـال ابن قيِّم الجوزيَّة ( « الشيعـة » القوم الذين تشايعوا ، أي : تبع بعضهم بعضاً ، وغالباً ما يستعمل في الذم ، ولعلَّه لم يرد في القرآن إلاَّ كذلك ، كقولـه تعالى { ثُمَّ لَنَنزِعَـنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُـمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا } وقولـه { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا } وقوله { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ } وذلك ـ واللّٰه أعلم ـ لِما في لفظ « الشيعة » من الشياع والإشاعة التي هي ضدُّ الائتلاف والاجتماع ، ولهذا لا يطلق لفظ « الشيع » إلاَّ على فرق الضلال لتفرُّقهم واختلافهم ) .
أقـول : هنيئاً للأُمَّـة الإسلامية بهؤلاء العلماء المُحَرِّفين للأقاويل المُنحَرِفين عن سواء السبيل ، يقول ( ولعلَّ لفظ الشيعة لم يرد في القرآن إلاَّ في الذم ) تدليساً وتلبيساً على عوام مذهبه ، وكأنَّه لم يقرأ قوله تعالى في نوح عليه السلام { وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ } وقوله تعالى في موسى عليه السلام { فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ } .
بلىٰ واللّٰه لقد قرأ ذلك ، ولكنَّه من علماء الجهالـة والضلالـة الذين ابتُلِي بهم الإسلام والمسلمون ، ولو كان عالماً منصفاً لفسَّر كلمة « الشيعة » بحقيقة معناها .
فإنَّ « الشيعة » ليست ضدَّاً للاجتماع والائتلاف ـ كمـا حاول هذا الجاهل تصويره ـ بل هي الولاء والاتباع ، وضدُّها العداء والامتناع ، وإنَّمـا ضدُّ الاجتماع هو الافتراق ، وضدُّ الائتلاف الاختلاف .
فالشيعة هم الأتباع والأنصار ، وهو معنى لا يقتضي في نفسه مدحـاً ولا ذمـاً ، بـل يختلف بحسب المضاف إليه ، فقد يكون المرء شيعةً للحق فيكون ممدوحاً كشيعة محمَّد وأهل بيته ، وقد يكون شيعةً للباطل فيكون مذموماً كشيعة بني أميَّة ، قال الحسين عليه السلام ( يا شيعةَ آلِ أبي سُفيان ، إنْ لم يكنْ لكمْ دينٌ ، وكنتُمْ لا تخافونَ المعادَ ، فكونوا أحراراً في دنياكُم ) .
كما أنَّ « السُّنَّة » معناها السِّيرة والطريقة ، وهي لا تقتضي في نفسها مدحاً ولا قدحاً ، فمن اتبـع سنَّة أهل الحق كان ممدوحاً ، ومن اتبـع سنَّة أهـل الباطل كان مذموماً ، وقد جاء لفظ السُّنَّة في القرآن الكريم في الذم ، قال اللّٰه تعالى { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن یُؤۡمِنُوۤا۟ إِذۡ جَاۤءَهُمُ ٱلۡهُدَىٰ وَیَسۡتَغۡفِرُوا۟ رَبَّهُمۡ إِلَّاۤ أَن تَأۡتِیَهُمۡ سُنَّةُ ٱلۡأَوَّلِینَ أَوۡ یَأۡتِیَهُمُ ٱلۡعَذَابُ قُبُلࣰا } .
بل إنَّ « الشيعة » بهذا اللفظ المفرد الذي أصبح عَلَمـاً لأتباع أهل البيت ، لم يرد في القرآن إلاَّ في المدح ، وإنَّما الذي جاء مذموماً هو الجمـع وتعدُّد الشِيَع ( وكانوا شِيَعَاً ) و( من كلِّ شيعةٍ ) لأنَّه يقتضي الفِرْقة والانقسام عن الحق ، واللّٰه يريد لعباده أن يكونوا جميعاً شيعةً للحق وأنصاراً لأهله .
--------------------------------
الشيخ علي المحمدي