السيد فائز الجابري الموسوي
٢٤ مارس، الساعة ٥:٠٥ م ·
⊰⊱۩⊰⊱━⊰⊱۩⊰⊱━⊰⊱۩⊰⊱
آفات العلم وبيان علامات علماء الآخرة والعلماء السوء:
في آفات العلم وبيان علامات علماء الآخرة والعلماء السوء، فقد ورد في العلماء السوء تشديدات عظيمة دلَّت على أنّهم أشدّ الخلق عذابا يوم القيامة ، فمن المهمّات العظيمة معرفة العلامات الفارقة بين علماء الدنيا وعلماء الآخرة ، ونعني بعلماء الدنيا العلماء السوء الَّذين قصدهم من العلم التنعّم بالدنيا والتوصّل إلى الجاه والمنزلة عند أهلها ،قال النبيّ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : « أشدّ الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه اللَّه بعلمه » ( 1 )..ويروى عنه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم أنّه قال : « لا يكون المرء عالما حتّى يكون بعلمه عاملا » ( 2 )..وقال صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : « العلم علمان علم على اللَّسان فذلك حجّة اللَّه عزّ وجلّ على ابن آدم وعلم في القلب فذلك العلم النافع » ( 3 )..وقال صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : « يكون في آخر الزمان عبّاد جهّال وعلماء فسّاق » ( 4 )..وقال صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : « لا تتعلَّموا العلم لتباهوا به العلماء ولتماروا به السفهاء ولتصرفوا وجوه الناس إليكم فمن فعل ذلك فهو في النّار » ( 5 )..وقال صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : « من كتم علما عنده الجم بلجام من نار » ( 6 )..وقال صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : « لا نأمن غير الدجّال أخوف عليكم من الدجال ، فقيل : وما ذاك ؟ فقال : أئمّة مضلَّون » ( 7 )..وقال صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : « من ازداد علما ولم يزدد هدى لم يزدد من اللَّه إلا بعدا » [ 8 ] ..وقال عيسى عليه السّلام : « إلى متى تصفون الطريق للمدلجين وأنتم مقيمون مع المتحيّرين » ( 9 )..فهذا وغيره من الأخبار يدلّ على عظم خطر العلم وأنّ العالم إمّا متعرّض لهلاك الأبد أو لسعادة الأبد وأنّه بالخوض في العلم قد حرم السلامة إن لم يدرك السعادة ..أقول ومن طريق الخاصّة ما رواه الكليني - رحمه اللَّه - في الكافي ( 10 ).بإسناده عن سليم ابن قيس الهلالي « قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يحدّث عن النبيّ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم أنّه قال في كلام له : العلماء رجلان رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ناج ، وعالم تارك لعلمه فهذا هالك وإنّ أهل النّار ليتأذّون من ريح العالم التارك لعلمه ، وإنّ أشدّ أهل النّار ندامة وحسرة رجل دعا عبدا إلى اللَّه فاستجاب له وقبل منه فأطاع اللَّه وأدخله اللَّه الجنّة وأدخل الدّاعي النّار بتركه علمه واتّباعه الهوى وطول الأمل ، أمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ وأمّا طول الأمل ينسي الآخرة » ..وبإسناده عنه ، « قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يقول : قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : منهومان [ 11 ] لا يشبعان : طالب علم وطالب دنيا ، فمن اقتصر من الدنيا على ما أحلّ اللَّه له سلم ومن تناولها من غير حلَّها هلك إلا أن يتوب أو يراجع ، ومن أخذ العلم من أهله وعمل بعلمه نجى ومن أراد به الدّنيا فهي حظَّه » ( 12 )..وبإسناده عن محمّد بن خالد رفعه « قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام في كلام له خطب به على المنبر : أيّها الناس إذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلَّكم تهتدون ، إنّ العالم العامل بغيره كالجاهل الحائر الَّذي لا يستفيق عن جهله ، بل قد رأيت أنّ الحجّة عليه أعظم والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه منها على هذا الجاهل المتحيّر في جهله وكلاهما حائر بائر ، لا ترتابوا فتشكَّوا ولا تشكَّوا فتكفروا ، ولا ترخّصوا لأنفسكم فتدهنوا ، ولا تدهنوا في الحقّ فتخسروا ، وإنّ من الحقّ أن تفقّهوا ، ومن الفقه أن لا تغترّوا ، وأنّ أنصحكم لنفسه أطوعكم لربّه ، وأغشّكم لنفسه أعصاكم لربّه ، ومن يطع اللَّه يأمن ويستبشر ومن يعص اللَّه يخب ويندم » ( 13 )..وبإسناده إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال : « جاء رجل إليه فسأله عن مسائل فأجاب ، ثمّ عاد ليسأل عن مثلها فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام : مكتوب في الإنجيل لا تطلبوا علم ما لا تعلمون ولما تعملوا بما علمتم ، فإنّ العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلا كفرا ولم يزدد من اللَّه إلا بعدا » ( 14 )..وبإسناده عن أبي جعفر عليه السّلام قال : « من طلب العلم ليباهي به العلماء ، أو يماري به السفهاء أو يصرف به وجوه النّاس إليه فليتبوّء مقعده من النّار إنّ الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها » ( 15 )..وبإسناده عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال : « العلم مقرون إلى العمل فمن علم عمل ومن عمل علم ، والعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل عنه » ( 16 )..وعنه عليه السّلام قال : « إنّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلَّت موعظته عن القلوب كما يزلّ المطر عن الصفا » [ 17 ] .وعنه عليه السّلام قال : « من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب ومن أراد به خير الآخرة أعطاه اللَّه خير الدنيا والآخرة » ( 18 )..وعنه عليه السّلام قال : « إذا رأيتم العالم محبّا لدنياه فاتّهموه على دينكم فإنّ كلّ محبّ للشيء يحوط ما أحبّ » ( 19 )..وقال عليه السّلام : « أوحى اللَّه إلى داود عليه السّلام لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا بالدنيا فيصدّك عن طريق محبّتي فإنّ أولئك قطَّاع طريق عبادي المريدين ، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي عن قلوبهم » ( 20 )..وعنه عليه السّلام قال : « قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا ، قيل : يا رسول اللَّه وما دخولهم في الدنيا ؟ قال : اتّباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم » ( 21 )..وعنه عليه السّلام قال : « طلبة العلم ثلاثة فأعرفهم بأعيانهم [ 22 ] وصفاتهم : صنف يطلبه للجهل والمراء وصنف يطلبه للاستطالة والخطل ، وصنف يطلبه للفقه والعقل ، فصاحب الجهل والمراء مؤذ مما متعرّض للمقال في أندية الرجال [ 23 ] بتذاكر العلم وصفة الحلم قد تسربل بالخشوع وتخلَّى من الورع [ 24 ] فدقّ اللَّه من هذا خيشومه وقطع منه حيزومه [ 25 ] وصاحب الاستطالة والختل ذو خبّ وملق [ 26 ] يستطيل على مثله من أشباهه ويتواضع للأغنياء من دونه ، فهو لحلوائهم هاضم ولدينه حاطم ، فأعمى اللَّه على هذا خبره وقطع من آثار العلماء أثره ، وصاحب الفقه والعقل ذو كآبة وحزن وسهر قد تحنّك في برنسه وقام اللَّيل في حندسه [ 26 ] يعمل ويخشى وجلا داعيا مشفقا مقبلا على شأنه ، عارفا بأهلزمانه ، مستوحشا من أوثق إخوانه ، فشدّ اللَّه من هذا أركانه وأعطاه يوم القيامة أمانه » ( 28 )..وعنه عليه السّلام « قال : يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد » ( 29 )..وعنه عليه السّلام « قال : قال عيسى ابن مريم عليه السّلام : ويل للعلماء السوء كيف تلظَّى عليهم النّار » ( 30)..وروى الصدوق في كتاب الخصال [ 31 ] بإسناده إلى أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال : « إنّ من العلماء من يحبّ أن يجمع علمه ولا يحبّ أن يؤخذ عنه فذاك في الدّرك الأوّل من النّار ، ومن العلماء من إذا وعظ أنف وإذا وعظ عنف [ 32 ] فذاك في الدرك الثاني من النّار ، ومن العلماء من يرى أن يضع العلم عند ذوي الثروة والشرف ولا يرى له في المساكين وضعا فذلك في الدّرك الثالث من النّار ، ومن العلماء من يذهب في علمه مذهب الجبابرة والسلاطين فإن ردّ عليه من قوله أو قصّر [ 33 ] في شيء من أمره غضب فذاك في الدرك الرابع من النّار ، ومن العلماء من يطلب أحاديث اليهود والنصارى ليغزر به علمه [ 34 ] ويكثر به حديثه فذلك في الدّرك الخامس من النّار ، ومن العلماء من يضع نفسه للفتيا ويقول : سلوني ولعلَّه لا يصيب حرفا واحدا واللَّه لا يحبّ المتكلَّفين فذاك في الدّرك السادس من النّار ، ومن العلماء من يتّخذ العلم مروّة وعقلا [ 35 ] فذاك في الدّرك السابع من النّار » ..
.
((الهوامش)):
( 1 ) أخرجه الطبراني في الصغير وابن عدى في الكامل والبيهقي في شعب الايمان كما في الجامع الصغير باب الألف .
( 2 ) قال العراقي : أخرجه ابن حبان في كتاب روضة العقلاء والبيهقي في المدخل موقوفا .
( 3 ) أخرجه ابن عبد البر في العلم بتقديم وتأخير كما في المختصر ص 90 والدارمي ج 1 ص 102 .
( 4 ) أخرجه الحاكم من حديث أنس كما في المغني .
( 5 ) أخرجه ابن ماجة تحت رقم 259 . والدارمي في سننه ج 1 ص 104 عن مكحول .
( 6 ) أخرجه الحاكم في المستدرك ج 1 ص 102 .
( 7 ) أخرجه أحمد في مسنده ج 5 ص 145 من حديث أبي ذر بأدنى اختلاف في اللفظ .
( 8 ) لم نجده في أي أصل .
( 9 ) في المجلد الأول ص 44 تحت رقم 1 .
( 10 ) المجلد الأول ص 46 تحت رقم 1 .
[ 11 ] أخرجه الديلمي في الفردوس عن على عليه السلام كما في الجامع الصغير باب الميم وفيه « ولم يزدد في الدنيا زهدا » مكان « هدى » .
[ 12 ] أي حريصان .
( 13 ) المجلد الأول ص 45 تحت رقم 6 .
( 14 ) المجلد الأول ص 44 تحت رقم 4 .
( 15 ) المجلد الأول ص 47 تحت رقم 6 .
( 16 ) المجلد الأول ص 44 تحت رقم 2 .
( 17 ) المجلد الأول ص 46 تحت رقم 2 .
( 18 ) المجلد الأول ص 46 تحت رقم 4 وأخرجه ابن عبد البر في العلم كما في المختصر ص 92 .
[ 19 ] المجلد الأول ص 44 تحت رقم 3 والصفا : الحجر الأملس .
( 20 ) المجلد الأول ص 46 تحت رقم 4 ، وأخرجه ابن عبد البر في العلم كما في المختصر ص 92 .
( 21) المجلد الأول ص 46 تحت رقم 5 .
[ 22 ] أي باقسامهم .
[ 23 ] الأندية : المجلس .
[ 24 ] تسربل أي لبس السربال وفي الأمالي « بالتخشع » والتخشع تكلف الخشوع و « تخلى » أي خلى جدا .
[ 25 ] الحيزوم ما استدار بالظهر والبطن أو ضلع الفؤاد أو ما اكتنف بالحلقوم من جانب الصدر ، والخيشوم : أقصى الأنف وهما كنايتان اما عن إذلاله أو كنايتان عن قطع حياته والثاني أقرب .
[ 26 ] الخب - بالكسر - الخدعة .
[ 27 ] كآبة - بالتحريك والمد والتسكين - : سوء الحال والانكسار من شدة الحزن وقوله عليه السّلام : « تحنك في برنسه » أي تعمد للعبادة وتوجه إليها وصار في ناحيتها وتجنب الناس وصار في ناحية منهم ، وتبرنس الرجل إذا لبس البرنس . و « قام الليل في حندسه » أي في ظلامه ، والحندس - بكسر الحاء - الظلمة .
( 28 ) المجلد الأول ص 49 تحت رقم 5 .
( 29 ) المجلد الأول ص 47 تحت رقم 1 .
( 30 ) المجلد الأول ص 47 تحت رقم 2 .
[ 31 ] أبواب السبعة .
[ 32 ] « من إذا وعظ » - على المجهول - أنف أي استكبر عن قبول الوعظ . « وإذا وعظ » - على المعلوم - عنف أي جاوز الحد ، والعنف ضد الرفق .
[ 33 ] « أو قصر » - على المجهول من باب التفعيل - أي ان وقع التقصير من أحد في شيء من أمره كاكرامه والإحسان إليه غضب .
[ 34 ] « ليغزر » أي ليكثر .
[ 35 ] أي يطلب العلم ويبذله ليعده الناس من أهل المروءة والعقل ( قاله العلامة المجلسي - رحمه اللَّه - في البحار ج 2 ص 109 ) .
.
.
((المصدر)):
كتاب: (المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء): الجزء الأول/ص89/ تأليف: المحقق العظيم والمحدث الكبير الحكيم المتأله محمد بن المرتضى المدعو بالمولى محسن الكاشاني ره المتوفى 1091 هـ.
⊰⊱۩⊰⊱━⊰⊱۩⊰⊱━⊰⊱۩⊰⊱