مساهمة العراق في الحضارة العالمية

12/4/2014 12:00 صباحا

[rtl]كلكامش نبيل
يتناول كتاب من بلاد الرافدين لمؤلفه الحسين الطاهر موضوعا مهمّا هو الحضارة، بدءا من وضع تعريف لكلمة الحضارة الفضفاضة أحيانا، التي تختلف وفق وجهات النظر ووفق ما يحاول البعض تسويقه لينسب هذا الإنجاز إلى من يتحيّز له من شعوب العالم القديم، ولكنّ الكاتب يحاول وبموضوعيّة بيّنة توضيح الأسس التي بنى عليها إعتباره لحضارة سومر الأقدم والأشدّ تأثيرا في تاريخ بني البشر، ولكنّه في الوقت ذاته وعبر صفحات الكتاب التي تزيد على الأربعمئة وثمانين يركّز على حقيقة كون الحضارة تفاعل وأخذ وعطاء وبأنّ الشعوب بأسرها تساهم في تكوينها، فهو ينفي عنها صفة التنافس ويحاول إيصالنا إلى إدراك أهميّة تفاعل الشعوب وتعايشها سلميّا لنحقق هدفنا الأشمل ألا وهو رخاء الإنسان ورفاهه. فالكاتب يدين الحروب ويشيد بالتسامح وقيم السلام ويعتبر الإختلاف ضرورة وواقع لا بدّ أن يعترف به الجميع ويتقبّلوه وإلاّ فإنّنا سنفني بعضنا البعض ونحن نحاول القضاء على التنوّع، فهو يعتقد بأنّ الإختلاف سيزول في حالة واحدة فقط ألا وهي زوالنا جميعا.الكاتب خصّص كتابه عن مساهمة العراق ولكنّه في الوقت نفسه يفرد فصلا كاملا عن مساهمات الحضارات الأخرى حول العالم ويفرد فصولا أخرى عن تفاعل وتأثّر كل الحضارات ببعضها البعض، فهو لا يتّسم بالقطرية وإنّما يهدف إلى توضيح مساهمة الحضارة العراقيّة في الثقافة الإنسانيّة لإنصاف هذه الحضارة العظيمة التي أخذت وأقتبست الكثير من إنجازاتها وهداياها للبشريّة من دون الإشارة إليها، ولهذا فإنّه ههنا يقوم بالدفاع عن حضارة يحاول البعض ظلمها عمدا أو جهلا، فما كتابه إلاّ إنصاف لحضارة عظيمة منحت العالم بذرة المدنيّة الأولى والكثير مما أغنى الفكر وشكّل حياة البشر مما يعد ضرورة يوميّة وغيرها من إنجازات لا يمكن لإنسان اليوم أن يتخيّل بأنّها لم تكن موجودة يوما ما.
الكتاب يوضّح مساهمة العراق في بناء الحضارة الإنسانيّة عالميّا وإقليميّا، وبطريقة مفصّلة لكل إنجاز على حدة، بدءا من إختراع الكتابة، وإكتشاف الزراعة والعجلة، وبناء المدن والزقّورات والملاحة والتجارة وصناعة الأختام ودور الخط المسماري في ظهور أوّل أبجديّة في التاريخ، كما يبرز مساهمات العراق في الأدب والفن والفكر والأديان عاقدا مقارنات وأدلّة توضّح مدى عمق ذلك الأثر وقدمه وإنتقاله عبر وسطاء في عديد من الحالات بشكل يجعل العديد من الشعوب تجهل الأصل العراقي لهذه الإنجازات، فيعدّها يونانيّة أو عبرانيّة أو غيرها، كتقديس الرقم سبعة وتقسيم الإسبوع إلى سبعة أيّام وإبتكار النظام الستّيني من قبل السومريّين، كما يجهل العديد من المؤمنين حول العالم الأصل السومري والبابلي لقصص الخليقة والطوفان وجنّة عدن وإغواء آدم وقصص النبي يونان "يونس" وولادة النبي موسى، كما يجهل العديدون مدى وثيق الصلة بين ملحمة كلكامش وقصّة البطل الإغريقي هرقل "هيركليس" وغيرها من جوانب ممتعة ومثيرة عن مساهمات العراق عبر العصور في مجال العلوم والطب والرياضيات والهندسة، فالكتاب لا يجمع كل شيء ولكنّه يذكر الجانب الأهم من مساهمات حضارة ما بين النهرين التي شكّلت الأسس الرصينة التي أكملت باقي الحضارات عليها لتمنحنا حضارتنا الحديثة التي ننعم بها الآن.
رغم إطّلاعي الوثيق على حضارة ما بين النهرين القديمة إلاّ أنّ الكتاب أضاف لي الكثير خصوصا في جانب المقارنة بين اللغات النهرينيّة ولغات المنطقة القديمة ومنها الحثيّة والفارسيّة البهلويّة والبكتريّة واليونانيّة والآراميّة والمندائيّة وغيرها، إلاّ أنّ الإضافة الاكبر بالنسبة لي، وكوني قليل الإطّلاع على الحضارة العربيّة، كانت فيما يختص بمساهمات العراق أبان العصور الوسطى "العربيّة والإسلاميّة" فقد كان الفصلين شيّقين وأجابا عن مسائل عديدة منها وصول طراز الملوية في سامراء إلى مصر المتمثّل بجامع "أحمد بن طولون" وغيرها من قضايا وضّحت دور العراق في صياغة اللغة العربيّة وأدبها ونحوها وخطوطها ومدارسها اللغويّة بالإضافة إلى إسهامات العلماء ممّن ولدوا في العراق أو مرّوا به في إثراء هذه الحضارة ممّا يؤّكد إستحالة موت بلد متحضّر وما أن تتوفر له ظروف الإستقرار حتّى يبدع وتزدهر حضارته من
جديد.
وممّا أسعدني شجاعة الكاتب وهو يطرح العديد من الآراء وعقده للمقارنات بين الأساطير القديمة وعقائد الشعوب الحاليّة، بطريقة هادئة خالية من التجريح إلاّ أنّها لم تفقد جانب الشجاعة إطلاقا، ولكنّني لاحظت عدم إنصاف لبعض الحقب التي مرّت في العراق وإعتماده للنهج نفسه الذي كان سائدا في المؤسّسة التعليميّة العراقيّة سابقا، وإن كانت الأخيرة تظلم الحضارات القديمة بشكل ملحوظ، إلاّ أنّ الكتاب يركّز على التاريخ القديم، السومري والأكدي والبابلي والآشوري ومن ثمّ العصر العربي الإسلامي.
ختاما الكتاب مدخل مهم ومفصّل عن حضارة العراق القديم والوسيط، ومن خلاله يمكن لمن يرغب في الإستزادة أن يجد طريقه بعد أن يكون قد كوّن أرضا صلبة لفهم هذه الحضارة الغنيّة، كما إنّه يتحلّى بالموضوعيّة والحياد إلى درجة قلّ نظيرها. [/rtl]

» العراق وبداية اصل الحضارة
» حكم البويهيون في العراق
» هل تصدق \ الشعوذه والسحر في العراق بهذه القوة
» تاريخ العراق
» المماليك في العراق