البداية ومسار الصراع
منذ انطلاقة النبوّة ، ومنذ أن صدعَ رسول الله (ص) بدعوته ورسالته ، نشب الصراع بينه ومعه المسـتضعفون وروّاد الهدى ، تحت ظلال الوحي والنبوّة وفي أجواء النور والحرية وبين المسـتكبرين الذين ألفوا استعباد الانسان وممارسـة الاضطهاد والطغيان في أجواء الظلام ومصادرة إرادة الانسان وتكريس التسلّط والاسـتعباد تحت كابوسي الشرك والوثنية .. وكان قادة هذه الجـبهة التي شكّلها الصراع المضاد لرسالة محمد (ص) ، أصحاب النفوذ والمال ، أمثال أبي سفيان وأبي جهل وأبي لهب ..
لقد قاد أبو سفيان الحركة ضدّ محمد (ص) مع فئة من طواغيت قريش ، من يوم بدر الكبرى ، يوم الفرقان ، يوم التقى الجمعان ، جمع الهدى والإيمان ، يقوده الهادي محمد (ص) ويحمل رايته عليّ (ع) ، أبو زينب والحسين (ع) ، وجمع الشرك والطغيان ، فكانت معركة بدر الكُبرى في السابع عشر من شهر رمضان ، في السنة الثانية من الهجرة ، بعد البعثة بخمسة عشر عاماً ، معركة الحسم والنصر المبين لدعوة الله ، وضرب قوى الشرك والطاغوت ، فتهاوى أبطال قريش وفرسانها صرعى بسيف عليّ وحمزة ، ومنذ ذلك اليوم قاد أبو سفيان معسكر الطاغوت ، وتراصفت خلفه جبهة الشرك والاستبداد ، ليواجه معسكر الإيمان والحرِّية .
وتواصل الصراع الدموي،والمواجهة الفكرية حتى يوم الفتح،فتح مكّة في السنة الثامنة للهجرة، فنكست اُميّة راياتها،وهُزِمَ أبو سفيان صاغراً ذليلاً بين يَدَي محمد وعليّ،وجيش المهاجرين والأنصار..وتعالى صوت بلال ، مثال المستضعفين العبيد الذين طالما عذّبهم أبو سفيان وأمثاله،يوم كانت الدعوة إلى الله جرماً،يقتل أو يعذّب في مكّة مَن آمن بها واتّبع محمداً (ص).
بلال العبد المستضعف ، حرّرته دعوة محمد (ص) ، وصار بمبادئ هذه الدعوة ينعم بحقوقه كإنسان يفضِّله الاسلام على أبي سفيان وأمثاله من طواغيت قريش ، لما حمل من مبادئ الهدى والنور .. ورأى أبو سفيان جيش المسلمين يطوِّق مكّة وهتاف التوحيد ورايات النصر تخفق في أرجائها ، ومحمد (ص) يقود الفتح مسبِّحاً بحمد ربِّه ، متواضعاً بهذا النصر العظيم .. بعد هذا الفتح المبين ، انسحب الحزب الأموي من المواجهة ، ليعود مرّة أخرى بعد وفـاة الرسـول (ص) إلى مـيدان الصراع ضدّ عليّ وآله ، آل الرسول (ع) الكرام ، فكانت المواجهة والصراع بين عليّ ومعاوية ، وكان الانشقاق في الصّف الاسلامي ، والمواجهة لعليّ وآله (ع) ..
وتواصل هذا الصراع عنيفاً دامياً ، واستشهد عليّ (ع) على يدِ الخوارج في شهر رمضان ، واستمرّ الصراع والمواجهة بين معاوية والحسن بن عليّ (ع) سبط الرسول (ص)، بعد استشهاد أبيه (ع)، واصطفّ الجيشان للحرب ، جيش الحسن بن عليّ (ع) وجيش معاوية بن أبي سفيان ، ونجا معاوية من الحرب بالخديعة والرشاوى والتخريب الذي اخترق به جيش الامام الحسن ابن عليّ ، فتمزّق هذا الجيـش ، ممّا اضطرّ الامام الحسن (ع) إلى الصّلح ، وانتهت المواجهة مع معاوية ..
غير أنّ معاوية لم يترك عداءه لآل محمد (ص) ، فدسّ السّم للامام الحسن (ع) ، فاستشهد مسموماً (ع) سنة (49) من الهجرة ، وماتَ معاوية سنة (60) من الهجرة .. ليواصل ابنه يزيد الحرب ضدّ آل محمد (ع) في معركة كربلاء الفجيعة ، سنة (61) من الهجرة ، وضدّ مَن بقيَ من المهاجرين والأنصار والبدريين في موقعة الحرّة المروِّعة ، سنة (62) من الهجرة ، حتى لم يبق بدريّ بعد تلك الجريمة البشعة