تعقيب
---------
تستعمل الشعوب العربية كلها كلمة الرز للدلالة على الحبوب التي نعرفها ونطبخها ونأكلها بشكل مستمر، وانتقلت الكلمة إلى معظم لغات العالم. لكن العراقيين وحدهم من دون الشعوب العربية كلها يستعملون كلمة التّمن للدلالة على الرز.
فمن أين جاءت؟
وفي أول مربد عقد في العراق في بداية السبعينات التقيت العلامة جلال الحنفي (توفي قبل أيام عن نيّف وتسعين عاماً)1 وسألته بضعة أسئلة منها عن الطيور التي تحوم فوق دجلة فقد كان الكتاب يطلقون عليها بضعة أسماء مختلفة كطيور الماء فقال إنها النوارس وسألته وعن كلمة تمن. فقال إنها صينية. وكان المرحوم عبد الكريم قاسم أرسله ليكون أول أستاذ للغة العربية في جامعة صينية بعد ثورة 14 تموز. ثم غضبت عليه السلطة بعد 1963 فاستقدمته قبل أن يكمل مشروعه المهم أول قاموس عربي صيني عربي. وعندما استشارته الصين في أن يرسل بديلاً عنه بعد نحو عشرين سنة رشح المرحوم هادي العلوي مكانه.
ثم أكدّ العلوي هذا الشيء في أحد كتبه. ومن هذين الاثنين علمت أن كلمة التمن هي صينية، وربما يكون الصينيون هم الذي أدخلوا الرز اللذيذ إلى المطبخ العراقي فأراد العراقيون مكافأتهم على تلك الوجبة اللذيذة فاحتفظوا باللفظة الصينية إلى حد الآن. بعدئذ ردّ الصينيون المكافأة إلى العراقيين بأحسن منها فقالوا: كل العالم عميانٌ إلا العراقيين فهم عورٌ.
وهذا المثل ليس حديثاً وإنما يعود إلى أربعة آلاف سنة حيث كان في المنطقة التي تسمى الآن بحر النجف خليج كبير كانت السفن الصينية الخشبية ترسو فيه وتنزل بضائعها لتتوزع في المنطقة كلها. ويبدو أن العلاقات الصينية العربية توطدت زمن الحكم العباسي، وحسبما يقول هادي العلوي إن السجل الإمبراطوري الصيني يذكر بالتفصيل طلب أحد أباطرة الصين الذي عزل في مؤامرة داخلية نجدة من الخليفة المنصور لإعادة ملكه، فأختار المنصور ثلاثة آلاف فارس جيد التدريب وأرسلهم، وطلب من عماله تجهيزهم بخيول قوية في كل مرحلة من مراحل طريق الحرير الذي يمر من خلال إيران وأفغانستان وباكستان وشمال الهند ويصل الصين. وبالفعل مكنتهم تلك الجياد من الجري المتواصل طيلة النهار، وأوصلتهم الصين بوقت قياسي فاستطاع الإمبراطور بهم إرجاع عرشه، ثم خيرهم بين البقاء في الصين أو الرجوع فاختار معظمهم البقاء. ويبدو أن ماركو بولو التقى بعض أحفادهم في الصين وأشار إليهم.