راح ضحيته الكثير من الشباب العراقيين
فاخر الداغري
السفر بر فرمان عثماني يعني السفر عبر البراري والقفار الى قفقاسيا وقد فوجئ به العراقيون كغيرهم في البلاد العربية الواقعة تحت السيطرة العثمانية ففي 13/اب/1913 ألصقت على مداخل الاسواق وأبواب المقاهي والمحلات ودوائر القشلة
(السراي) صورة بندقيتين على شكل حرف(X) كتب تحتها (( سفر بر لك وار سرح باش له اولانلر)) وتعني بالعربية (( هناك نفير عام كونوا على استعداد مع
اسلحتكم)) وهذا يعني أن هناك تجنيدا اجباريا يساق الخاضعون له من عمر 15
- 45 سنة الى قفقاسيا حيث اشتركت الدولة العثمانية الى جانب المانيا النازية بقيادة
هتلر في الحرب العالمية الاولى واصطفت تحت عنوان دول الحلفاء ضد الطرف الثاني الذي اطل على نفسه(( دول المحور)) .
ازاء هذا التعسف المأساوي مارس الشباب الهروب من هذه الخدمة العسكرية وتمت ملاحقة الشباب الهاربين من سطح الى سطح ومن زقاق الى اخر من قبل الجندرمة العثمانية وتم تجميع الخاضعين لهذه الخدمة القسرية في ساحة القشلة في ليلة ظلما، وفي شهر آب
وحرارته اللاهبة وجاء الأباء والأمهات يبحثون عن ابنائهم ولانعدام الرؤية كانوا يشعلون عود شخاط ليروا وجوه ابنائهم وسمي طابور المنتظرين هذا( طابور ابو شخاطة) وبالوقت نفسه تم اعدام الفارين من هذه الخدمة العسكرية الاجبارية في محلات ( قنبر علي وابو سيفين وبني
سعيد) بعد القاء القبض عليهم وقد اعلن الجهاد دون ان يعرف المسلمون المسوغ الشرعي لاعلان هذا الجهاد.
وسار المساقون الى قفقاسيا وقد هلك بعضهم في الطريق عطشاً وجوعاً وبعد سبع سنوات عاد من عاد الى ارض الوطن ومات الباقون هناك نتيجة نقص الخدمات وعدم توفر التغذية اللازمة وعدم القدرة على المطاولة في المشي على الاقدام مضافاً الى التعرض للمخاطر في طريق العودة ليلاً.
وكانت الهيضة قد لعبت دورها في الفتك بهؤلاء الجنود فكان الجزع والشعور بخيبات الالم قد ادى الى النكوص والشعور بالذل والأهانة والتلاشي قد أصاب الذات العراقية - البغدادية كون التجنيد كان من بغداد باعتبارها ولاية المركز.
ومن باب رفع المعنويات وإثارة الحماس بين البغداديين من خلال الاناشيد اتبعت ولاية بغداد اسلوب التوجيه والأرشاد فعهدت الى الملا عثمان الموصلي ان يكتب نصاً ويلحنه ويحفظه الى تلاميذ المدارس على قلتها مع تعليم مبادئ الموسيقى واسلوب الانشاد وذلك في مدرسة السلطاني التي تأسست عام 1890 التي كان مقرها دار عارف اغا في محلة عارف اغا المعروفة اليوم ( باب الاغا) قبل الشورجة من شارع الرشيد.
وكان الملا عثمان قد سكن مع ابنه الحاج فتحي في محلة باب الشيخ( فضوة عرب) في اخريات حياته واتخذ من جامع الخفافين مقاماً له للصلاة والاقامة في غرفة خاصة به في حالة عدم قدرته الذهاب الى دار ابنه الحاج فتحي.
فكتب الموصلي نصاً ولحنه وأداه تلاميذ المدرسة المذكورة انفاً وكان مطلعه:
عسكرنا( سفر بر) هلل ثم كبرّ
نرجو له ان ينصر يارب يارب
لكن الموقف الشعبي ظل رافضاً هذا التجنيد الاجباري الذي دفع البغداديون ثمنه باهضاَ جداً والذي ادى بارواحهم الى الموت وقد انتهى مفعوله بنهاية حكم الدولة العثمانية وخسارتها الحرب امام دول الحلفاء واحتلال الانكليز للعراق عام 1917.
ومن الذين عادوا احياء الى وطنهم والد الشاعر اسماعيل ابراهيم البياع من اهالي الكاظمية ومن محلة الانباريين وهو السيد ابراهيم بن احميد بن حبيب العامري الانباري الذي كان يدعى من قبل الجنود الروس ( أخميدو).
وقد اصدر ابنه الشاعر اسماعيل ابراهيم كتاباً بعنوان (( أماسي طفولة)) جمع فيه بين النثر والشعر وقد غلب عليه طابع التراث والتراثية حيث تناول موضوعات ذات مضامين شعبية مثل مطر آذار، دورة السنة، حمام النسوان، رمضانيات العيد،الكاريات، زيارة سلمان باك.
وفي النصف الشعري من هذا الكتاب جاءت قصيدته السفربر( سفربرلك) على شكل مقاطع في 44 بيتاً استغرقت صفحات 82-87 منها الابيات التالية:
أعلن السلطان حرباَ
دون ان ندري القضية
طافت(الجندرمة) بحثاً
عن صنوف العسكرية
ساقوا من قومي الوفا
كشياه للضحية
نحو استنبول سرنا
بين أعياء ويأس
ذاك امسي