أ.د. سيّار الجميل
الذكرى المئوية
تمر اليوم مئوية تأسيس الدولة العراقية المعاصرة التي عاشت بين 1921 و 2003 حيث حلت القطيعة بين تاريخ القرن العشرين وتاريخ بدأ عام 2003 بالاحتلال الأميركي الذي قضى على الدولة التي أسسها فيصل الأول ( عاش بين 1883- 1933 م ) وتوّج على عرض العراق يوم 23 آب / أغسطس 1921 ، لينطلق كل العراقيين تحت مظلة هذا الرجل الذي لم يعرف العراق على امتداد مائة سنة مضت مثل زعامته ، ولم يسبقه أحد في صفاته وريادته والكاريزما التي تحّلى بها .. ناهيكم عن كفاءته وقوة شخصيته وبراعته في اختيار رجاله .. فضلا عن خدمته للعراق والذي يعود اليه الفضل في وحدة أراضيه وقوة مؤسساته وتعايش مجتمعه وفرض هيبة بلاده على الآخرين .. كما انه كان مرنا سياسيا لم يجنح الى أي طرف من الأطراف ، اذ كان يقف على مسافة واحدة من كل الوان الطيف العراقي . ان 12 سنة من حكم هذا الزعيم المؤسس للعراق المعاصر كانت كافية لارساء أسس البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للعراق دولة ومجتمعا .. وكنت أتمنى أن يتخذ أبناء العراق فيصل الأول رمزا لهم ، ولكنهم اختلفوا فيه ، ونال البعض منه ولم يسلم الرجل حتى بعد مماته من النقد والقدح والتشهير ، وخصوصا في العهود الجمهورية الأولى على عهدي عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف .. أما على عهد البعثيين ، فقد فتح المجال لكتابات عدة عن العهد الملكي الذي لم يصدر منذ اسقاطه حتى اليوم أي اعتذار رسمي أو شعبي له بسبب نهايته المأساوية ، والكل يدرك ان التاريخ لا يرجع الى الوراء والقديم لا يرجع الى قدمه .
زعامته ورمزيته
لم يكن فيصل الأول ملاكا بلا أخطاء ، وكأي زعيم له ايجابياته واخطاءه ، ولكن الرجل كان زعيما تفوق بمنجزاته التاريخية ، وصنع من العراق دولة قديرة بمؤسساتها وعلاقاتها وقوة أدوارها . لقد حكم فيصل الأول العراق وعانى طويلا من طول لسان البعض ، وعاش ليرى مشاكل العراقيين التي اختلقوها اختلاقا ووجد انهم يصنعون من الصغائر مشاكل كبيرة .. وكان البعض سببا في افشال مشروعات بدأ بها بسبب اختلافاتهم وتفاهة حججهم ، وتعصبات بعضهم الاخر ، إضافة الى حجم الغلاة والمتعصبين العراقيين . كان من افضل الزعماء السياسيين الذين فاوضوا البريطانيين ، ونجح فيصل قبل غيره بتحقيق الاستقلال للعراق عام 1932 ، فكان مثلا يحتذى .. لقد عرف الآباء العراقيون قيمة فيصل الأول ، وعدت مرحلته التأسيسية في العشرينيات من القرن العشرين من افضل العهود التاريخية ، ولولا فيصل لما كان العراق بتلك القوة التاريخية ، ولولا عهده لما شهد العراق اي تقدم واعمار لاحقا . وعليه ، فان فيصل الأول هو الرمز التاريخي للعراقيين المعاصرين وسيبقى كذلك الى زمن بعيد .. واعتقد كلما تقدم الزمن بنا نحو المستقبل كلما نضج الوعي عند العراقيين والسوريين معا بأهمية فيصل الأول سواء بالنسبة للمملكة الفيصلية التي أسسها في دمشق باسم الحكومة العربية عام 1920 ، او بالنسبة للمملكة العراقية التي أسسها في بغداد عام 1921 والتي عاشت 37 عاما ثم ذوت بطريقة مهينة .. وأتمنى على الأجيال القادمة أن يتملكها الادراك المتبادل ، وتعيد الاعتبار لتاريخ العراق كله دون استثناء بتشخيص الخطأ من الصواب والاعتراف بالمؤسسين الأوائل الذين كانوا بحق من الرجال البناة اسوة ببقية الشعوب الأخرى .
محنته في العراق
وعليه ، فان فيصل الأول لم يصادف محنته مع أبناء جيله من العراقيين حسب ، بل انه ما زال يعاني من المحنة على السنة أبناء الأجيال اللاحقة التي اقل ما يمكن ان توصف به انها قليلة الخبرة والمعرفة عن تفاصيل هذا الرجل ومعرفة جزئيات مشروعاته النهضوية . انا افهم تماما موقف البعض المناوئ لفيصل الأول انعكاسا قوميا او طائفيا او عنصريا أو جهويا .. وبالإمكان مجادلة هؤلاء ، وهم قلة تتلاعب بهم الأهواء السياسية والعواطف الأيديولوجية والشعارات باسم الوطنية التي راجت على مدى مائة سنة مضت ، علما بأن الرجل لم يتحيّز ضد اية ملة ، ولا ضد اية ديانة ، ولا ضد اية قومية ، ولا ضد أي مذهب ، ولا ضد أي اتجاه سياسي او فكري معين .. ولكن ان لا يعترف بيوم التأسيس 23 آب / أغسطس 1921 يوما وطنيا لكل العراقيين ، فهذا اجحاف بحق عهد فيصل الأول ، وانكار بحق مؤسساته ، واستصغارا بحق العراقيين الذين عاشوا على عهده ، وتهميشا لتاريخ كل المنجزات الكبرى التي تركها من بعده .. وتغافلا عن قصد لعظمة مشروعاته السياسية التي طرحها خلال تاريخه الزاهر ( وساعالج هذا الموضوع في حلقة أخرى ) . وهو الزعيم الوحيد من الشرق الأوسط الذي ادخل الى قاعة مؤتمر فرساي 1919 ليسمعه العالم كله .. انني اكتب كلمتي هذه في مئوية تأسيس العراق المعاصر .. وانا واثق ان الأجيال القادمة سترفع من شأن هذا الرجل الذي عرف العراقيين معرفة عميقة ، وقال كلمته المشهورة فيهم والتي ستتعلم منها الأجيال القادمة بعد ان يرحل من تبقى من أبناء القرن العشرين .
كتاب جديد عن فيصل الأول
كنت أتمنى مخلصا ان يصدر كتابي عن هذا الزعيم بعنوان : " الملك فيصل الأول 1883- 1933 : أدواره التاريخية ومشروعاته النهضوية " ( قرابة 1000 صفحة ) بهذه المناسبة المئوية ، وقد حرصت ان اكمله منذ العام المنصرم ، ولكن تأخر نشره حتى الان . وقد انجزت " الكتاب " بالاعتماد على وثائق متنوعة منذ العام الماضي ولم يزل ينتظر النشر .. والكتاب يبحث في تاريخ فيصل الأول منذ ولادته وطفولته ونشأته ودراسته في استانبول وتعلمه اللغات ثم رجوعه ودخوله المعترك السياسي واتصاله بجمعية العهد والتقائه بجمال باشا ( السفاح ) الذي أراد النيل منه ، وقد اشترك فيصل بقيادة اكثر من معركة في عسير وغيرها ثم قيادته لمعارك الثورة العربية الكبرى 1916 – 1918 وقيادته الحرب ودخوله دمشق فاتحا ثم تأسيسه الحكومة العربية في الشام 1918- 1920 وتتويجه ملكا على سورية 1920 وكانت تجربته هناك غنية جدا رفقة الضباط العراقيين الشريفيين ، ولكن تم احتلال دمشق من قبل الفرنسيين ومغادرته نحو فلسطين وإيطاليا ، ثم المناداة عليه لعرش العراق عام 1921 وحكمه العراق على افضل درجات الريادة حتى رحيله 1933 وبحثت في اسرار موته وثائقيا ..
أتمنى أيضا على كل العراقيين ان لا يجازفوا بالحديث عن الرجل من دون قراءة تاريخه بدقة متناهية ، وان يتوقفوا عن اطلاق الاحكام جزافا ، وان يقللوا من مدحه او ذمّه ذلك انه ليس بحاجة الاّ الى الموضوعية والانصاف وتبيان تاريخه بكل وضوح وأمانة مع توسيع مساحة الرؤية التاريخية ..
لائحة من الاعمال
وقبل ان أختتم هذا المقال ، يسعدني ان ادرج في ادناه بعض ما كنت قد نشرته عن الزعيم فيصل الأول رحمه الله وعن عهديه في سوريا والعراق :
سيار الجميل ، بقايا وجذور التكوين العربي الحديث ، ط1 ( بيروت & عمان : الاهلية للنشر والتوزيع ، 1997 ) – نسب فيصل الأول - ( الفصل السادس ) .
سيار الجميل ، جامعة آل البيت في العراق 1924- 1930 : مشروع تأسيس جامعة عراقية اسلامية اجتهادية : المصداقية والفشل ، ط1 ( قطر / الشارقة / بغداد : دار ضفاف للطباعة والنشر والتوزيع ، 2012 ) .
سيار الجميل ، انتلجينسيا العراق : تاريخ النخب السياسية والمثقفة ابان القرن العشرين " ، كتاب نشر متسلسلا على صفحات الزمان ، لندن ، 2002 .
سيار الجميل ، " الملك فيصل الاول والتأسيس العلمي الحديث : جامعة آل البيت في العراق 1924- 1930 : تأسيسها .. تجربتها وتداعياته " في : بناء الدولة العربية الحديثة .
سيار الجميل " الخلافات الحدودية والاقليمية العراقية - الايرانية " ، القى في ندوة العلاقات العربية - الايرانية التي عقدها مركز دراسات الوحدة العربية بالاشتراك مع جامعة قطر، تشرين الاول / اكتوبر1995. ونشرت في كتاب العلاقات العربية - الايرانية : الاتجاهات الراهنة وافاق المستقبل ، تحرير : عبد العزيز الدوري واخرون ( بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية، 1996).
سيار الجميل وجماعته ، العراق : دراسات في السياسة والاقتصاد ، ط1 ( أبو ظبي : مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ، 2006 ) .
سيار الجميل " سيمون بوليفار العرب : كيف كتب علي علاوي تاريخ الملك فيصل الاول ؟ " ، مجلة "المستقبل العربي"،، بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ، العدد 443 ، كانون الثاني/يناير 2016 .
سيار الجميل ، " الملك فيصل الاول والنخبة المثقفة " بحث القى في الندوة التأسيسية لـ ( بناء الدولة العربية الحديثة )التي عقدت في جامعة ال البيت للفترة 26ـ 27 نيسان / ابريل 1998، الاردن. ونشر ضمن أعمال الندوة ، جامعة آل البيت ، 1999 .
سيار الجميل " تكوين الحكم الوطني واسهام الموصليين في تأسيس الدولة العراقية الحديثة "، موسوعة الموصل الحضارية ، ط1 ، المجلد 5 ( جامعة الموصل : دار الكتب للطباعة والنشر ، 1992 ) ،
سيار الجميل " مؤتمر باريس 2013: مئوية المؤتمر العربي الأول في باريس 1913 " ، مجلة عمران للعلوم الاجتماعية والانسانية ، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ، العدد 5 ، المجلد 2 ، صيف 2013 .
سيار الجميل " المؤتمر العربي الاول 1913 : رؤية جديدة لزمن الاستنارة بعد مائة عام : ، ورقة القيت في الندوة التاريخية التي عقدت في معهد العالم العربي بباريس لمناسبة مرور 100 سنة على انعقاد المؤتمر العربي الاول بسانت جرمان بباريس عام 1913 ، وذلك بتاريخ يومي 4-5 حزيران 2013 ( ملف الندوة 2014) . .
سيار الجميل ، " انتلجينسيا العراق : التكوين .. الاستنارة .. السلطة " ، المستقبل العربي ، السنة 13 ، العدد 13 ، ايلول / سبتمبر 1990 .
سيار الجميل ، " القومي والسياسي في تفكير زعيمين عربيين " في : بكر المجالي وقاسم الدروع ( اعداد وتحرير ) ، بحوث : الملك عبد الله بن الحسين : مفكرا وأديبا ، ط1 ( عمّان : مطبعة الروزنا ، 1999) .
سيار الجميل ، كتاب انتلجينسيا العراق : النخب المثقفة في القرن العشرين ، الزمان ، لندن ،2000. الحلقة 33 ( الصراع السياسي في العراق ) ، العدد 744 ، بتاريخ 7-8 / 10 / 2000 . الحلقة 6 ( الاتجاهات القومي والاشتراكي وجدا صداهما لدى الجيل الجديد منذ العشرينيات ) ، الزمان / لندن ، العدد 717 ، السنة 3 ، الثلاثاء 5/9/ 2000. الحلقة 5 ( النخبة العراقية اشتركت في تأسيس المشروع النهضوي العربي منذ 1908 ) ، الزمان ، لندن ، العدد 716 ، السنة 3 ، الاثنين 4 /9/ 2000.
سيار الجميل ، "انتلجينسيا العراق : التكوين .. الاستنارة .. السلطة"، بحث قُدّم في الملتقى الاكاديمي الذي نظمه مركز الدراسات والابحاث الاقتصادية والاجتماعية في الجامعة التونسية (الملتقى تحت عنوان : النخبة والسلطة في العالم العربي) للفترة 4-9/12/1989. نشر البحث في مجلة المستقبل العربي، العدد (139)، السنة (13)، ايلول / سبتمبر 1990.
سيار الجميل " الخيارات الفكرية والسياسية لدى العرب والاتراك " ، مجلة المستقبل العربي ، بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ، السنة 17 ، العدد 185 ، تموز / يوليو 1994.
سيار الجميل ، " الخلافات العراقية – الايرانية الحدودية والاقليمية " مجلة المستقبل العربي ، بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ، العدد 206 ، نيسان / ابريل 1996 .
سيار الجميل ، "انتلجينسيا العراق" فصل في كتاب الثقافة والمثقف في الوطن العربي (تاليف نخبة في الباحثين) تحرير : الطاهر لبيب ، ( بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية، 1993).
سيار الجميل ، " مفهوم الدولة وركائزها : تجربة الحكومة العربية في دمشق : مشروع الملك فيصل في بناء دولة عربية اتحادية ( الولايات العربية المتحدة ) ، في مجموعة من المؤلفين ، بناء الدولة العربية الحديثة : تجربة فيصل بن الحسين في سورية والعراق 1918 – 1932م ، اعداد وتحرير : هند ابو الشعر ( الاردن : جامعة آل البيت ، 1999).
سيار الجميل ، " الملك فيصل الاول والنخبة المثقفة : جامعة آل البيت في العراق " بحث القى في الندوة التأسيسية لـ ( بناء الدولة العربية الحديثة )التي عقدت في جامعة ال البيت للفترة 26ـ 27 نيسان / ابريل 1998، الاردن. ونشر ضمن أعمال الندوة ، جامعة آل البيت ، 1999 .
سيار الجميل ، " العراق وبلاد الشام ابان الحرب العالمية الأولى : الافتراق التاريخي " في : الطريق الى سايكس بيكو : الحرب العالمية الأولى بعيون عربية ، مجموعة من الباحثين ، ( بيروت & الدوحة : الدار العربية للعلوم – ناشرون ومركز الجزيرة للدراسات ، 2016 ) الفصل الأول والفصل الثالث .
سيار الجميل ، مذكرات تحسين قدري 1892- 1986 : المرافق العسكري الأقدم للملك فيصل الأول ، ط1 ( عمّان : الاهلية للنشر والتوزيع ، 2018 ) .
سيار الجميل ، الملك فيصل الأول 1883- 1933 : أدواره التاريخية ومشروعاته النهضوية ، ( تحت النشر في مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت ) .
بالانكليزية
Sayyar Al-Jamil “Arab nationalist pioneers in Mosul” , International Journal of Contemporary Iraqi Studies, Volume 3 Issue 2 : November 2009.
Sayyar Al-Jamil, “ Iraq and Iran “ in KH. Hasib ( ed. ) , Arab – Iranian Relations, ( New York: St. Martin’s Press, 1998).
Sayyar Al-Jamil, “ IRAK” in The History of the Scientific and Cultural Development of Minkind, New ed. ( Paris , Unesco, 1996 ).
٠ تعليق
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]