مَن هو المهدي (عليه السلام) ؟
أمّا مَن يقرأُ كتبَ ومصادرَ الروايات الواردة عن طريق أهل البيت (ع) والمتِّصلة برسول الله (ص) يجد نصوصَ تلك الرّوايات الانفة الذِّكر ومضامينها ، قد رُويت أيضاً ، كما رُوِيتْ بنفس الاسـانيد أحياناً اُخرى . فهي في مُصطلح علماءِ الرواية والحديث مِنَ الرّوايات المتواترة ، الّتي تُفيدُ العلمَ ، وتنفي الشّكَّ والحيرةَ .
قال الشيخ المجلسي في كتابه (بحار الانوار) متحدِّثاً عن الامام المهدي (ع) : « كان مولده (ع) ليلة النّصف من شعبان ، سنة خمس وخمسين ومائتين ، وكان سنّه عند وفاة أبيه (العسكري) خمس سنين ... » (24) . وبذا فإنّ ولادة الامام محمّد بن الحسن (ع) كانت في عهد الخليفة العباسي (المهتدي) ، مرحلة الفتن والاضطرابات ، الّتي وصفها الطبري بقوله : « ... وكانت ولايته (أي المهتدي العباسي) والدُّنيا كلّها من أرض الاسلام مفتونة » (25) .
لقد وُلِدَ الامام في كنف أبيه الحسن بن علي العسكري (ع) ، فأحاطَهُ بالرعاية والسرِّية التامّة خوفاً عليه ، وتنفيذاً لوعدِ الله وعهدِهِ ، الّذي توارَثوهُ عن جدّهم رسولُ الله (ص) .
لقد تواترتِ الرّواياتُ لفظاً ومعنىً ، عن طرق معتبرة لدى المسلمين جميعاً ، وكلّها تضافرت على التصريح والوعد والبشارة بالمصلح المهدي .
وكما ذكرنا بعضها عن طريق الرّواية عند علماء أهل السنّة ، ففي ما يلي نذكر عدداً منها كما وردت عن طريق أهل البيت (ع) ، وهي تؤكّد الروايات الواردة عن رواة أهل السنّة ، وتوضّح أنّ المهدي هو محمّد بن الحسن ، تصديقاً لقول الرسول الهادي (ص) أ نّه من ولد فاطمة ، وأ نّه (منِّي) وأ نّه من أهل البيت (ع) ، نسجِّل منها الاتي :
ذكر الشيخ الصّدوق ((26)) في كتابه إكمال الدّين وتمام النعمة عن ماجيلويه عن حمزة ابن أبي الفتح ، قال :
« جاءني يوماً ، فقال لي : البشارة ، ولد البارحة في الدّار مولود لابي محمّد (ع) وأمر بكتمانه ، قلت : وما اسمه ، قال : سُمِّي بمحمّد ، وكُنِّي بجعفر » (27) .
وأخرج الصّدوق، عن أبي العباس، أحمد بن عبدالله بن مهران، عن أحمد بن الحسن ابن إسحاق القمِّي ، قال :
« لمّا ولد الخلف الصالح (ع) ورد من مولانا أبي محمّد الحسن بن علي ، على جدّي أحمد بن إسحاق كتاب ، وإذا فيه مكتوب بخطّ يده (ع) ، الّذي كان يردّ به التوقيعات عليه : ولد المولود ، فليكُن عندك مستوراً ، وعن جميع الناس مَكتوماً ، فإنّا لم نُظهِرْ عليه إلاّ الاقربَ لقرابَتِهِ والمولى لولايَتِهِ ، أحببنا إعلامَكَ ، لِيَسُرَّكَ اللهُ به كما سرَّنا ، والسلام » (28) .
ونقل الاربلي في كتابه (كشف الغمّة) ، عن إبن الخشّاب صاحب كتاب (مواليد الائمّة) ، عن إبراهيم صاحب أبي محمّد (ع) ، أ نّه قال :
« وجّه إليَّ مولاي أبو الحسن (ع) بأربعة أكبش ، وكتب إليَّ : بسم الله الرّحمن الرّحيم ، (عِق) هذه عن ابني محمّد المهديِّ ، وكُلْ هنّأكَ ، وأطعمْ مَنْ وجدتَ مِن شيعتنا » (29) .
وروى الصّدوق أيضاً : أنّ أحمد بن إسحاق قال :
« سمعتُ أبا محمّد، الحسن بن علي العسكري (ع)، يقول: الحمد لله الّذي لم يُخْرِجْني من الدُّنيا حتّى أرانِيَ الخلف مِن بعدي ، أشبهَ الناس برسول الله (ص) خَلْقاً وخُلُقاً ، يحفظُهُ اللهُ تبارك وتعالى في غيبَتِهِ ، ثمّ يُظهِرُهُ فيملاُ الارضَ عدلاً وقسطاً ، كما مُلِئَتْ جَوْراً وظلماً »(30) .
وتحدّث الشيخ المفيد عن وفاة الامام الحسن العسكري (ع) والد الامام محمّد بن الحسن المهدي ، فقال :
« وخلفَ ابنهُ المنتظر لدولة الحقّ ، وكان قد أخفى مولِدَهُ ، وستَرَ أمرَهُ لِصُعوبةِ الوقتِ ، وشدّةِ طلب سلطان الزمان له ، واجتهاده في البحث عن أمره ، ولِما شاعَ من مذهب الشيعة الامامية فيه ، وعُرِفَ مِن انتظارهم له ، فلم يظهر ولده (ع) في حياته ، ولا عرّفه الجمهور بعد وفاته »(31) .
إنّ هذه المجموعة من الروايات تتّفق جميعها مع الروايات الواردة في المصادر السنّية على أنّ المهدي :
1 ـ من وُلْدِ فاطمة .
2 ـ من وُلْدِ الحسين .
وهذا ما يؤكِّده المسلمون جميعاً بمختلف مذاهبهم وآرائهم ، إلاّ أنّ الشيعة الامامية ـ أتباع أهل البيت ـ وكما قرأنا في هذه المجموعة من الرّوايات ، يعتقدون بالاضافة إلى ذلك أنّ الامام المهدي هو :
* محمّد بن الحسن العسكري (ع) .
* وأنّ عمره عند وفاة أبيه كان خمس سنوات .
* وأ نّه ، وبمشيئة إلهيّة ، كانت له غيبةٌ وانقطاعٌ واختفاءٌ ، وأنّ غيبتَهُ كانت بمرحلتين :
1 ـ مرحلة الغيبة الصغرى : وكان خلالها يتّصلُ به أربعةُ سفراء مُتَعاقِبين .
2 ـ مرحلة الغيبة الكبرى : وقد انقطع فيها اتّصاله عن الاُمّة ، بعد أن أخبرها بذلك ، ووجّهها بالرجوع إلى الفقهاء ، حتّى تتهيّأَ له ظروفُ الظهور وممارسةِ مهمّة الاصلاح الاسلامي الكبرى ، وإقامةِ دولة العدل الالهي المنتظر .
إنّ دراسة وتحليل الروايات الواردة في أهل بيت النبي (ع) وحبّهم والولاء لهم ، كثيرةٌ ومتنوعةٌ ، وقد أجمعَ المسلمونَ على أنّ حُبّ أهلِ البيتِ والولاء لهم ، مِن علامات الايمان والتقوى، ولم يختلفوا في مقام أهل البيت ومكانتهم العلمية والاجتماعية ، فأصحابُ كُتُبِ الحديث قد خرّجوا روايات عديدة تتحدّث عن هذه الحقائق ، مثل : « إنِّي تارك فيكم الثقلين : كتابَ الله ، وعترتي أهلَ بيتي ، ما إنْ تمسّكتم بهما فَلَنْ تضلّوا بعدي أبدا »(32) .
ومثل قوله (ص) : « مثلُ أهل بيتي فيكم ، كمثلِ سفينةِ نوح ، مَنْ ركبها نجا ، ومَنْ تخلّف عنها غرق »(33) .
وتشير الاحاديث والروايات الّتي عرضناها في هذا الكتاب ، إلى أنّ وجود الامام المهدي ودوره الفكري والقيادي ، يمثلُ الامتدادَ الطبيعيَّ لدور آبائه الائمّة الكرام : عليّ والحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعليّ بن موسى ومحمّد بن عليّ وعليّ بن محمّد والحسن بن عليّ العسكري (ع) .
كما أشارت الرواية الواردة عن الرسول (ص) ، أنّ الخلفاء اثنا عشر ، وأنّ المهدي هو آخر الخلفاء .
ولئن اختلف المسلمونَ في تحديد الدورِ القيادي لبقية أئمّة أهل البيت (ع) ، فلا يختلفون في تحديد الدور القيادي للامام المهدي (ع) ، فهم مُجمعونَ أنّ المهدِيَّ مِن أهل البيت ، ومن ذرِّيّة الحسين ، وهو المصلحُ والقائدُ والمنقذُ لهذه الاُمّة ، ومجدِّدُ عهدِ الرسالة الاسلاميّة .