طارق حرب :
قضاة بغداد زمن النفوذ البويهي في العهد العباسي
-----------------------------------
شهدت بغداد في العهد العباسي نفوذ لجهات أجنبيه في فترة حكم العباسيين كان أوله الترك وثانيه بني بويه وثالثه السلاجقه ونفوذ بني بوبه في بغداد بدأ عام 334هج 945م الى عام 467 هج سنة 1055م أي أستمر طيلة خلافة المطيع والطائع والقادر والقائم حيث كانت السلطه الشكليه لخلفاء بني العباس والسلطه الموضوعيه من الحل والابرام يكون بيد السلطان والامير البويهي وقد بدأ الحكم البويه بدخول أحمد ابن بويه لبغداد والذي أخذ لقب معز الدوله والبويهيون أقوام سكنت حنوب بحر قزوين وعاشوا مع الزيديه وتوسعت دولتهم فضمت بغداد اليها مع استمرار الخليفه العباسي الذي يعترفون بسلطاته قولا فقط ومن قضاة فترة النفوذ البويهي عبيد الله بن أحمد بن معروف ومحمد بن الحسن الأموي بن أبي الشوارب ومحمد بن صالح بن أم شيبان وعتبه بن عبد الله أبو السائب الهمداني وعمر بن أكثم أبو بشر ومحمد بن اسماعيل أبو بكر وبن قريعه والسيرافي النحوي ومحمد بن ابراهيم والخرزي والحسين بن هارون الضبي والباقلاني البغدادي والأكفاني والمحاملي والبيضاوي والأبيوردي وابن سيار والدامغاني وطاهر الطبري والحبيس والمعافي والسمناني وأبو يعلى الفراء وأول من حمل لقب أقضى القضاة الماوردي.
ومن قضاة بغداد أثناء النفوذ البويهي قاضي القضاة عبيد الله بن أحمد بن معروف المتوفي عام 384 هج هو أبو محمد كان من أجل الرحال مع تجربة وحنكه ومعوفه وفطنه ضارباً في الادب بسهم صاحب طلاقة في مجلسه وبلاغة في خطابه يقول الصاحب بن عباد كنت أشتهي أن أدخل بغداد فأشاهد جرأة محمد بن عمر العلوي وتنسك أبي أحمد الموسوي وظرف محمد بن معروف وعندما عابه أحدهم على أصله كتب له:-
العالم العاقل بن نفسه
أغناه جنس غلمه عن جنسه
بعد وفاته حمل تابونه الى جامع المنصور ثم الى داره في شاطئ دجله ومنهم القاضي محمد بن الحسن الاموي بن أبي الشوارب قلده الخليفه المطيع على الشرقيه وهي منطقه في الكرخ وأماكن اخرى داخل وخارج بغداد وتم صرفه عن القضاء لما كان منسوباً اليه الاسترشاء توفي عام 347هج ومحمد بن صالح بن أم شيبان يرجع نسبه الى عبد الله بن العباس رجل عظيم القدر واسع العلم مدمن الدرس والمذاكره قلده الخليفه المطيع قضاءالشرقيه ومدينة المنصور فصار على الجانب الغربي بأسره ثم مصر والرمله والشام وصفه عضد الدوله البويهي فقال ما وقعت عيني على من يستحق الذكر سوى ابن أم شيبان ومحمد بن عمر توفي فجأة عام 369 وعتبه بن عبد الله أبو السائب الهمداني تقلد قضاء القضاة عام 338 هج له أخبار حسان وقد روي عنه انه سمع أن الخليفه الرشيد قال لأحدهم عظني فأجابه يا أمير المؤمنين انك تموت وحدك وتغسل ومدك وتكفن وخدم وتقبر وحدك وفعلاً تحقق ذلك وتوفي الرشيد في مدينة الرقه في الشام توفي هذا زدقاضي عام 350 هج والقاضي عمر بن أكثم قاضي بغداد زمن الخليفه المطيع الذي تولى القضاء ببغداد بعد وفاة سلفه أبو السائب عام 350هج ثم تقلد منصب قاضي القضاة عام 352 ثم صرف عن القضاء بعد ذلك بأربع سنوات توفي عام 357 هج.
وتولى القضاء ببغداد في هذا العهد محمد بن اسماعيل أبو بكر من مشهورات مروياته ان الرسول عاد عمه العباس في مرضه فأخد العم بيد النبي وقبلها وأقعده في مكانه توفي عام 358هج ومنهم القاضي بن قريعه محمد بن عبد الرحمن الذي كان كثير النوادر حسن الخاطر عجيب الكلام حصل انه كان يمشي مع قاض آخر وقال ان تأخرت فواجب وان تقدمت فحاجب تواضعاً منه تولى القضاء وكان أثيراً لدى الوزير الهلبي حتى انه جعله على نفقات بيتاً له وانه تولى القضاء وبعد مدة تولى الحسبه فشكى له أحدهم تصرف أحد الخياطين بأخذ جزء من القماش الذي استلمه لخياطته فكتب الى من يلي باب الشام مكان الخياط وطلب منه أن يركبه جملاً عالياً وأن يضربه ضرباً عاتياً ويطيف به في باب الشام ليكون عبرة للأنام توفي عام 376هج ومنهم أبو سعيد السيرافي النحوي سكن بغداد وتحدث فيها وكان يسكن الجانب الشرقي من بغداد وكان أبوه مجوسياً اسمه بهزاد وكان من أعلم الناس بنحو البصرييت وينتحل في الفقه مذهب أهل العراق وكان زاهداً لا يأكل الا من كسب يده توفي عام 368هج ودفن في مقبرة الخيزران أي الاعظميه وصنف كتباً عديده منها مقابر الخيزران وللقاضي السيرافي كتاب في شرح سيبويه وكتاب أخبار النحويين وكتاب الوقف والابتداء وكتاب صنعة الشعر والبلاغه هجاه الاصبهاني صاحب كتاب الأعاني فقال:
لعن الله كل شعر ونحو
وعروض يجيء من سيراف
لقد كان الاحفظ لجوامع الزهد نظماً ونثراً وكان ديناً ورعاً تقياً حسن الخط وكان يردد اجعل ما في كتبك رأس مالك وما في صدرك نفقه قال وهو ينشد ويبكي:
حنا الدهر من بعد استقامة ظهري
ومن ذا الذي سبقى سليماً على الدهر
ومنهم محمد بن ابراهيم قاضي دير العاقول حدث ببغداد عن جده وأبيه وغيرهما توفي عام 380 هج ومنهم عبد العزيز بن أحمد الخرزي قاضي الجانب الشرقي من بغداد من حد المخرم الى آخر باب الأزج أي من جنوب الاعظميه حتى جنوب باب الشيخ وكان فاضل النفس جيد الكلام ينتحل مذهب داود بن علىالظاهري توفي عام 390هج ومن أخباره انه تقدم اليه وكيلان( محاميان) فبكى أحدهما فقال له : أرني وكالته فلما تأملها ثم قال للباك مارأيت في الوكاله انه جعل اليك أن تبكي أي انه لم يذكر في الوكاله البكاء من مندرجات الوكاله ومنهم قاضي بغداد الحسن بن هارونً الذي تولى القضاء بربع الكرخ ومدينة المنصور كان غاية في الفضل والدين والنزاهه والعفه عالم بالاقضيه والاحكام ماهر بصنعة المحاضر والسجلات.
والترسل والمخاطبات موفق في أحواله صحب قاضي القضاة أبي الحسن محمد العاشمي وقاضي القضاة أبا الحسن محمد بن معروف الذي ناب عنه واستخلفه على الحكم والقضاء توفي عام 398هج ومنهم أبو بكر محمد بن طيب الباقلاني قاضي بغداد الاصولي المتكلم علامة العلوم دخل على أحدهم فقال له دخل الشيطان واصفاً اياه فأجابه القاضي ( انا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا) توفي عام 493هج ومنهم قاضي بغداد عبد الله بن محمد الاكفاني الأسدي وصفوه فقالوا( من قال ان أحداً أنفق على أهل العلم مائة ألف دينار غير الأكفاني فقد كذب) تولى القضاء في مدينة المنصور وباب الطابق وسوق الثلاثاء ثم تولى القضاء في جميع بغداد توفي عام 495هج ومنهم قاضي القضاة المحاملي محمد بن أحمد كان ثقة صادقاً خيراً فاضلاً من فقهاء الشافعيه حفظ القرآن والفرائض توفي عام 407هج ومنهم القاضي الحسن بن الحسن أبو القاسم ومنهم قاضي القضاة أحمد بن محمد بن ألي الشوارب الذي قيل فيه ما رأينا مثله جلالة ونزاهة وصبانة وكان الاخير في عائلته التي ولي منهم أربعة وعشرين قاضياً ثمانية منهم تقلد منصب قاضي القضاة كان يعاني من ضيق ذات اليد وعرص عليه صديقه اعانة فقال له اني لمحتاج لهذا المال ولكن أخشى أن يراني الله قد قبلت نوفي عام 417هج ومنهم القاضي الأبيوردي أحمد بن محمد الفقيه الشافعي كان حسن الاعتقاد جميل الطريقه ولي الجانب الشرقي ومدينة المنصور فصيح اللسان يقول الشعر كان يصوم الدهر جميعه ترفي عام 425هج ومنهم الصيمري الحسين بن علي كان امام الحنفيه ببغداد قاضيا عالماً خيراً صنف كتاب السنن توفي عام 436 هج ومنهم بن ماكولا الحسين بن علي بن جعفر ولاه الخليفه القادر قاضي القضاة في بغداد وصفوه بأنه القاضي الاعظم تزاهة استمر قاضياً لمدة تزيد على ربع قرن توفي عام 447هج اه شعر جميل منه؛
تصابى نزهة من بعد شيب
فما أغنى مع الشيب التصابي
ومنهم قاضي الفضاة في بغداد محمد بن علي أبو عبدالله الدامغاني الذي ولي القضاء عام 447هج الذي أنتهت اليه الرياسه في مذهب العراقيين كان صاحب حشمة وجاهاً وسؤددا وعقلا بقى مدة ثلاثين سنه في القضاء ومنهم أبو الطيب الطبري قاضي ربع الكرخ ببغداد سمع في نيسابور وأستوطن ببغداد ثقة صادقاً ورعاً عارفاً بأصول الفقه سليم الصدر حسن الخلق توفي عام 450 هج ومنهم قاضي باب الطاق ببغداد ثم في حريم باب الخليفه ترفي عام 452 هج وهنالك قاضيان حصلا على منصب أقضى القضاة في العهد البويهي أولهما أبو الحسن محمد بن حبيب الماوردي البصري البغدادي الفقيه المربي الحكيم صاحب كتاب الاحكام السلطانيه أول كتاب في تاريخ بغداد جمع الفقه الدستوري والفقه الاداري بلغتنا وكتب كثيره من الحاوي وأبو يعلى الفراء القاضي والفقيه الحنبلي توفى الماوردي عام 450هج وتوفى الفراء عام 456هج.